تتابع ايران مفاوضاتها مع الغرب والولايات المتحدة تحديدا حول برنامجها النووي وسط ظروف تنبيء جميعها بان ايران قد تخلت عمليا عن الاهداف العسكرية لهذا البرنامج مقابل اطلاق يدها في الاقليم وبالذات في سورية والعراق ولبنان .
الواضح لكل صاحب بصيرة ان ايران فاضلت بين المضي في مشروعها النووي وبالتالي الدخول في مواجهة اكبر مع الغرب ،وبين التخلي عن ذلك مرحليا في مشهد يسمح لها وبموافقة غربية بمواصلة فرض وجودها ونفوذها السياسي والعسكري في كل من العراق وسورية ولبنان، وهو خيار لا بد وان طهران وجدت انه الخيار الافضل خدمة لمشروعها الاستراتيجي بعيد الاهداف وطويل الامد في الاقليم كله .
الظروف المستجدة في العراق وظهور ثورة سنية الى جانب ما يسمى بداعش ارغمت ايران في ظل مخاوفها من خروج الامور من يدها في هذا البلد العربي الذي عملت طويلا وخسرت كثيرا حتى تمكنت من فرض هيمنتها عليه ، ارغمتها على اعادة النظر في موقفها المتشدد بشأن برنامجها النووي ، لكنها في الوقت ذاته مارست الذكاء في ربط تخليها عن هذا البرنامج ولو مرحليا من وجهة نظرها بقبول غربي ينقصه الذكاء باطلاق يدها في الاقليم خاصة وانها تظهر على هذا الصعيد كمن ينسجم مع الاستراتيجية الاميركية والغربية عموما والتي تقوم على محاربة الارهاب ومواجهة الحركات السنية المسلحة ومنها على وجه الخصوص تنظيم داعش الذي يقدم خدمة جلى لايرانعلى هذا الصعيد ، لا بل يصنفها من وجهة نظر الغرب كما لو كانت حليفا يوثق بهرفي هذا المجال .
تعاند الظروف الاقليمية ايران احيانا لكنها والحق يقال تبدع في تطويع تلك الظروف في خدمة مشروعها الاقليمي وهو ما يحدث الان تماما وسنسمع وشيكا عن اتفاق ايراني غربي تتخلى ايران بموجبه عن اي تطوير عسكري لبرنامجها النووي والثمن بالطبع هوالعراق وسورية ولبنان وربما ما هو اكثر مستقبلا ، فما يهم الغرب واسرائيل في المنطقة كلها هو البرنامج النووي لايران وما عدا ذلك هي امور لا يضير الغرب اي تهاون فيها.
وسط هذا التقاسم الذي لا يخفى الا على فاقد بصر يقفدالعرب حيارى لا حول لهم ولا قوه، فالحركات المسلحة الموصومة بالارهاب معظمها إن لم تكن كلها حركات عربية سنية لا تترك فرصة للحكومات العربية حتى لان تقول كلمتها لا بل تقف جميعها خصما لتلك الحكومات ، وفي الطرف الاخر من المعادلة لا يكاد الغرب يتصور اتساع اي نفوذ لتلك الحركات فيما تبدو ايران كما لو كانت هي القوة القادرة هي وحلفاؤها العرب على الوقوف في مواجهة هذا الخطر انطلاقا من قاعدة طائفية لا مانع لدى الغرب من ان تكون سببا في اقتتال طويل بين المسلمين او على الاقل بين قوى عربية وايرانيه ، وبصورة تدخل المنطقة كلها في حرب ضروس تعيدها الى جادة القرون الوسطى ،وهي حرب يبدو انها باتت وشيكه .
باختصار فان ايران اليوم ومنذ نهاية حربها مع العراق هي مشكلة العرب المعقدة في ظل مشروعها الاستراتيجي الذي يستهدف اقامة دولة الخلافة الاسلامية بزعامة فارسية في المشرق العربي كله ، وتبدو الامور كما لو كان اي تفاهم عربي ايراني غاية في الاستحالة وسط اصرار ايراني على الذهاب الى نهاية الشوط ، وفي ذلك واقع عربي اكثر من محزن ، فلا ايران لديها ادنى استعداد للتفاهم ولا الغرب مستعدا للالتفات الى اية مصلحة عربية وانما مصالحه ومصالح اسرائيل فقط ، وهو موقف غربي قاصر حتى الان عن ادراك جوهر المشروع الايراني ، حقا انه الحزن عربيا في مطلق الاحوال ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .