المستعمرون الثلاثة .. لعبة نتنياهو وليبرمان
اسعد العزوني
05-07-2014 04:56 AM
لو عرضنا قضية المستتعمرين الفتيان الثلاثة الذين قتلوا الأسبوع الماضي بطريقة مسرحية درامية شدت العالم أجمع ،على قاض مبتديء لكنه محايد وعادل وغير مرتش،وكلفنا محام شريف يدخل قاعات المحاكم للمرة الأولى، لحصلنا على حكم في بدايات الجلسة الأولى وبدون جلسة تداول للقاضي ومساعديه ،ذلك أن القضية واضحة وضوح الشمس في وضح النهار.
سيكون الحكم بطبيعة الحال أن نتنياهو المتمرد على الإدارة الأمريكية والعالم ،ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان ،صاحب الدعوة المستمرة لإعادة إحتلال قطاع غزة وحل السلطة الفلسطينية ،هما من خطط ودبر وقتل هؤلاء الفتية من المستوطنين .
أما الأسباب الداعية للقيام بهذه المسرحية الدموية فهي كثيرة وتتلخص في النقاط التالية : توقيت العملية وهو بطبيعة الحال توقيت مزدوج ،حيث المصالحة الفلسطينية بين السلطة وحماس،وقد حذر نتنياهو رئيس السلطة محمود عباس من مغبة الإستمرار في المصالحة ،وخيره بين "السلام "مع إسرائيل ،والتصالح مع عباس، ذلك أنه كان يقول للعالم أن السلام مع الفلسطينيين مستحيل لأنهم منقسمون ،بمعنى أن المصالحة الفلسطينية رغم هشاشتها قطعت الطريق على نتيناهو ومنعته من مواصلة تضليل المجتمع الدولي ،كما أن رئيس البيت الأبيض أوباما طالب السلطة بنبذ المصالحة مع حماس ،تنفيذا للضغوط الإسرائيلية بطبيعة الحال .
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل هذه الأيام تعيش أسوا حالاتها الدولية ،حيث تعاني عزلة يسهم فيها الكثير من اليهود الذين ملوا من الدفاع عن سياسات إسرائيل ،وقد أراد نتنياهو وتابعه ليبرمان ،أن يخرجا إسرائيل من دائرة الكراهية العالمية التي باتت يلفها لتعنت قياداتها ورفضهم تنفيذ ما جرى التوقيع عليه في المعاهدات والإتفاقيات المبرمة مع العديد من الدول العربية وفي المقدمة أصحاب القضية انفسهم .
من القضايا التي سيستند عليها ذلك القاضي الشريف في إصدار حكمه على نتيناهو وليبرمان ، هي ردة الفعل المبالغ فيها ردا على إختفاء هؤلاء الفتية ،وهناك أسباب عديدة دعت لذلك منها :إرضاء المستعمرين ،وكان ذلك بمثابة حملة إنتخابية تسابق فيها نتنياهو وليبرمان على كرسي الحكم مبكرا ،بإستخدام الدم الفلسطيني ،والغريب في الأمر أنهم قادوا حملتهم الإنتخابية دون أن يردعهم أحد .
كما أن الجيش الإسرائيلي قام بإستعراض عالمي للإيهام بأنه ما يزال على حاله لا يقهر ،علما أنهم يظهرون على حالهم في حال كانت المواجهة غير رسمية ،والسؤال هو :ماذا ستكون ردة الفعل الإسرائيلية لو أن التنظيمات الفلسطينية تصدت لهم في الجبال وهم يصورون أنفسهم على أنهم يبحثون عن مخطوفيهم؟
ومن الأدلة التي ستفيد القاضي الشريف أعمار الفتية الثلاثة فهم مراهقون وليسوا عسكريين مع أن الطفل في المستعمرات الإسرائيلية يكون عسكريا بالفطرة ، ولو كانت جهة فلسطينية هي من إختطفتهم لكان الهدف جنودا ،لأن ذلك يخفف الضغط عن المجتمع الدولي الذي لا يحتد لقتل او إختطاف جنود إسرائيليين .
هناك قضية أخرى تعد المفتاح في هذه القضية وهي أن موقع "ولا "الإخباري العبري ،أعلن أن داعش تبنى العملية من خلال بيان وصل للموقع،لكنهم وبعد يوم واحد أعلنوا على لسان نتنياهو أن كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح هي التي قامت بخطف الفتية الثلاثة ، وبعد يومين أعلنوا أن حركة حماس تتحمل مسؤولية خطفهم ،وهنا مربط الفرس.
أرادت إسرائيل توظيف اللحظة الداعشية لتقول للعالم أن داعش وصلها وأنه قام بخطف الفتية الثلاثة ردا على قيام الجيش الإسرائيلي بقتل ثلاثة من قيادييه في الخليل، كما أرادوا الضغط على السلطة بإتهام كتائب الأقصى ،لكنهم رسوا على هدفهم الأساس وهو إستهداف حركة حماس.
قد يقول أن قتل الفتية الثلاثة دليل على أن حركة حماس عجزت عن تهريبهم إلى غزة أو الأردن ، ولذلك قامت بالتخلص منهم جراء التضييق الإسرائيلي في الضفة الفلسطينية، بمعنى أن أحدا لن يجرؤ على إتهام نتنياهو بقتلهم بعد إختطافهم،إستنادا إلى حرمة الدم اليهودي على اليهودي حسب التوارة الحالية ، لكن هذا القول مردود على أصحابه .
الأمر هنا مشتبك ،وقد مهدت إسرائيل لعمليتها بأخبار مضللة تفيد أن هناك العديد من الأنفاق تربط بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة ،ولو كان الأمر صحيحا ،لجرى تهريبهم خلال أقل من ساعة ،لأن مثل هكذا عملية يجب أن يكون مخطط لها جيدا.
كما أن موضوع حرمة الدم اليهودي على اليهودي ،كذبة كبرى وقد قام مؤسسو الحركة الصهيونية خلال تأسيس الكيان الصهيوني بالتضحية ببواخر كاملة كانت محملة بالمهاجرين اليهود ،وقاموا بتفجيرها ليلا وهي ترسو في الميناء الفلسطيني أو في عرض البحر ،لكسب عطف العالم والتعجيل بقيام إسرائيل.
آخر الأسباب التي سيأخذ بها القاضي العادل الشريف هو أن ليبرمان كما سبق وقلنا هو صاحب الدعوة لإعادة إحتلال قطاع غزة ،وها هو الجيش الإسرائيل وطائراته تواصل قصف غزة ،والسؤال هنا :هل ستنجح إسرائيل في إعادة إحتلال قطاع غزة وسحق حماس ،بعد أن حاولت مكلفة مرتين وذاقت طعم الهزيمة وويلاتها؟