العراق من أمامكم .. والعراق من ورائكم!
محمد خروب
04-07-2014 04:28 AM
كما كان متوقعاً، فشلت جلسة مجلس النواب العراقي الجديد، التي التأمت قبل يومين، رغم حرص الكتل الرئيسية الثلاث على الحضور وعدم تحمل مسؤولية المقاطعة، بذريعة أن أعضاءها إنما جاؤوا لأداء اليمين الدستورية وهو تفسير غير مقنع، وخصوصاً أن تحالفات قد «حيكت» قبل الدخول إلى مبنى المجلس وكان الهدف واضحاً لدى كتلتين رئيسيتين (صدف انهما سنيّتان) رغم اختلافهما العِرقي، الأولى التحالف الكردستاني، أما الثانية فهي اتحاد القوى العراقية الذي تم تشكيله قبل أيام معدودات في لقاء نادر يعكس تحالف «المضطرين» (وكل مكوناته من السُنّة) أكثر مما هو قائم على قناعات بين أركانه، وبخاصة أن منهم من كان حليفاً (حتى آخر لحظة) لنوري المالكي، وما يزال (هذا البعض) يراهن على التحالف مع رئيس الكتلة البرلمانية الأكبر، حتى ولو لم تَمِلْ موازين القوى لصالحه كي يعود إلى ولاية ثالثة، لكنه سيبقى مؤثراً وصاحب دور مهم إذا ما نجح في ايصال مرشح من ائتلاف دولة القانون (اقرأ حزب الدعوة) إلى رئاسة الوزراء، ويقال إن أحد أكبر المقربين إليه وهو طارق نجم سيكون رئيس الوزراء الأوفر حظاً، إذا لم تحدث مفاجأة في اللحظات الأخيرة.
تأجيل جلسة مجلس النواب حتى الثامن من تموز (الثلاثاء القريب) لانتخاب رئيس لمجلس النواب ورئيس الجمهورية كي يقوم الأخير بتكليف رئيس وزراء جديد، لا يعني أبداً أن الجلسة ستُعقد وإذا ما عُقدت انها ستُنْجِز مهمة انتخاب رئيس للمجلس ورئيس للجمهورية، فالخلافات بين القوى والمكونات السياسية، ما تزال محتدمة وعميقة على وقع الخلافات الحادة داخل التحالف الشيعي نفسه وتضارب الأنباء حول ما إذا عاد المالكي وإئتلافه عن تعهدهم، ترشيح شخص غير المالكي فضلاً عن الخلافات داخل اتحاد القوى العراقية (السُنيّة) إزاء اسم المرشح لرئاسة مجلس النواب، حيث يرفض أسامة النجيفي تمرير أي اسم، بل هو راغب في تسمية «خليفته» بعد أن بات مؤكداً أن فيتو آخر قد وُضِعَ على اسمه، من قبل التحالف الشيعي، مقابل الفيتو الموضوع على المالكي من السُنّة والكرد..
ما جرى أول من أمس، ليس سوى ترحيل للأزمة والأيام القليلة المقبلة غير كافية للتجسير على الهوة الواسعة والشكوك العميقة بين أطراف العملية السياسية وخصوصاً في ظل حديث كردي عن إعلان الاستقلال وسقوط المادة 140 من الدستور، ناهيك عن رفض الانسحاب من كركوك ثم التلويح باجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير المدينة المتنازع عليها «بعد ان يتم تطبيق (كل) البنود الخاصة بالاستفتاء، وخصوصاً ترحيل العرب، ممن جيء بهم في عهد صدام في اطار مشروعه لتعريب المدينة الكردية على ما يصر الكرد»..
المشهد العراقي بات «المُقرّر» في مستقبل المنطقة، بعد ان كادت الازمة السورية ان تطيح معادلات وتحالفات ظن كثيرون انها مرشحة للبقاء، فإذا بأحداث العراق الدراماتيكية تأخذ الجميع على حين غرة، وتضعهم امام اختبار غير مسبوق، أعاد في بعض تجلياته «المخاوف» ليس فقط تسريع نهاية خرائط سايكس بيكو، بل وايضاً في الطمس على هوية المنطقة العربية التي ظلت خشبة خلاص الأمة رغم ما لحق بها من محن وما تعرضت من حروب وغزوات واستعمار خصوصاً قيام اسرائيل على ارض فلسطين..
ليس صدفة، ان تشعر معظم الانظمة في المنطقة بالفزع وبأنها في حاجة الى حماية بعد ان اخذت قوى الارهاب التكفيري زمام الامور بيدها وراحت تُملي على الجميع جدول اعمالها القائم على القتل والعنف واستباحة سيادات الدول وسعيها الى احياء دولة خلافة موهومة او متخيلة تنهض على الجثث وتُبشّر بقطيعة مع العصر، ولا هم لديها سوى تكفير الناس وسوقهم الى «جنتهم» بالسلاسل والرصاص..
هنا يبرز الموقف الاميركي المنافق الذي يُكْثر من الوعظ ويقف موقف المتفرج على تمدد الجماعات الارهابية ليزيد من تعقيد المشهد وليمارس الابتزاز على أفرقاء المشهد العراقي ببعدهم الاقليمي وما يتجاوز ذلك الى روسيا نفسها، حيث اخذت الازمة الاوكرانية ابعاداً «عسكرية» جديدة، بعد ان اوهموا الرئيس الاوكراني بوروشينكو ان الخيار العسكري لحل الصراع مع شرق البلاد اقل كلفة من الحل السياسي القائم على الحوار وثقافة الاعتراف بالآخر (الوطني)..
«الوقت ليس في صالح العراق.. مصير العراق على المحك الآن».. هذا بعض ما اتحفتنا به مساعدة المتحدثة باسم الخارجية الاميركية ماري هارف، ولم تنسَ ان تَعِظنا ببعض تُرّهاتها بالقول: الديمقراطية يمكن ان تشوبها الفوضى.. احياناً..
هو العراق امامكم، والعراق نفسه من ورائكم، وليس من طريق او وسيلة لتفادي الحريق العراقي الذي يبدو انه اخطر بكثير مما شكلته الازمة السورية ذات يوم وبخاصة بعد انهيار مشروع إسقاط سوريا واضطرار اللاعبين والمشغلين والممولين الى نقل «الحرب» الى بلاد الرافدين.. ويبدو انهم اصابوا بعض النجاح، لكن.. الى متى؟
....الاجابة رهن بمن تسألون.
(الرأي)