سؤال يطرح نفسه ولم يطرحه أحد للحوار حتى الان
في الاردن نخبة سياسية تنقسم الى فئتين. الاولى نخبة سياسية رسمية وتضم (وزراء ونواباً وأعياناً وأصحاب مناصب رفيعة ولوبي اقتصادي مخفي) والثانية نخبة سياسية غير رسمية وتضم رجالات (أحزاب , نقابات , مستقلين).
في المشهد السياسي الاردني فان النخبة السياسية الرسمية وغير الرسمية ترفع شعار الديمقراطية والنزاهة وتكافؤ الفرص والاصلاح ومكافحة الفساد.
منذ عام 1957 تمكنت النخبة السياسية الرسمية - حكومة أبراهيم هاشم - من الانقلاب على النخبة السياسية الشعبية بحل الاحزاب والاستحواذ على مفاتيح القرار السياسي والاقتصادي والامني وتكاتفت ( رغم ما بينها من مكائد وصراعات ) على تهميش وأبعاد النخبة السياسية غير الرسمية وزج عدد غير قليل من رجالها في السجون ما أدى الى تجميد الحياة الديمقراطية حتى العام 1989. حين تغيرت الامور فجأة باحداث أو هبة نيسان التي أطاحت بحكومة الرفاعي وجاءت بانتخابات نيابية نزيهة ويتيمة أنجبت قيادات شعبية جديدة تحظى بحضور قوي وتؤثر في القرار السياسي والاقتصادي.
غير أن النخبة السياسية الرسمية لم تستسلم للأمر الواقع وتبين أنها أنحنت لمرور العاصفة مؤقتا ثم تمكنت مرة أخرى بعد العام 1993 من التسلل عبر الوعي الديمقراطي وأجهاضه وادخال البلاد في لعبة الانتخابات النيابية الشكلية وتغيير مسار السياسات الاقتصادية بوعود النهوض الاقتصادي و ( السمن والعسل ) والسلام مع أسرائيل وكانت النتيجة أدخال الفساد الاقتصادي الى مفاصل الدولة عبر سياسات الليبرالية وتحرير الاقتصاد وتبين أن كل رموز الفساد خرجوا من جعبة هذه النخبة.
وبرغم أن عودة الحياة الحزبية وتصاعد دور النقابات كان أحد نتائج نيسان 1989 إلا أن تلك العودة كانت مقيدة بمحددات تشريعية تحول في مضمونها دون تمكين الاحزاب السياسية من دور حقيقي ورافق ذلك تكريس متكالب على الحيلولة بين الاحزاب السياسية وبين كسب قواعد شعبية عبر الاعلام وعبر أقبال عدد من رموز النخبة السياسية على أرتداء عباءة الديمقراطية – مؤقتا – وأنشاء أحزاب سياسية خلطت الحابل بالنابل في الحياة الحزبية , الى أن عجز الحزبيون والديمقراطيون والمصلحون الحقيقيون عن هدم جدار الشك وعدم الثقة بين الاحزاب وبين الشعب فأصبح دور الاحزاب السياسية شكليا ومجرد ديكور لحياة ديمقراطية مزيفة ولم تعد النخبة السياسية غير الرسمية قادرة حتى على وقف تزوير الانتخابات النيابية فأصبحت كمن يصرخ في واد غير ذي زرع ولا أهل.
الوضع الان يتلخص في عدة ملاحظات وهي : انهيار الثقة بين الشعب وبين مجلس النواب والحكومة على حد سواء , أنكماش دور الاحزاب والنقابات , فقدان الثقة بالديمقراطية وبقدرات النخبة السياسية غير الرسمية , تراجع حاد في مستوى معيشة الغالبية العظمي من المواطنين , فقدان الامل بالاصلاح ومحاربة الفساد , فقدان الامل بتكافؤ الفرص وبالمستقبل لفئة عريضة من الشباب وتنامي الرغبة والسعي نحو الهجرة الى الخارج ( 33% من الشباب بين سن 24- 30 يرغبون بالهجرة ) مع أرتفاع نسبة البطالة بين الخريجين الشباب 33% وبيت الخريجات 68% ).
الازمة عميقة جدا بينما تواصل النخبة السياسية الرسمية على تغطية الشمس بغربال ودفن الرؤوس في الرمال , وما نخشاه أن أنفجار الازمة هذه المرة لن يكون على يد الاحزاب ولا النقابات ولا بيدها التحكم بمسارها , ما نحذر منه أن أنفجار الازمة سيكون شعبيا ولسوف تتسنم قيادتها وجوه غير مألوفة لا في الحكمة ولا في الوعي ولا في الفكر.. قيادات من ( الدهماء ) ليس لديها ما تخسره بعد فقدان الفرصة وغياب الامل.
ما نحتاج اليه الان وقبل فوات الاوان مؤتمر وطني حقيقي يطرح الاسئلة المحرجة والمحظورة على مائدة الحوار , مؤتمر بارادة سياسية جازمة على أعادة قطار الديمقراطية المنحرف الى مساره الصحيح.