تخييــــر إيران: العـــراق او القنبلــة النوويـــة؟!
مصطفى ابولبده
07-03-2007 02:00 AM
يبدو ان المقارنة بين قيادتي أحمدي نجاد وصدام حسين في نمط التفكير والمزاج الشخصي وفي طريقة خلق الازمات وإدارتها وفي احتمالات وقوع ايران بالفخ الامريكي الذي سبق ووقع فيه العراق... هذه المقاربة التي اجريت هنا الاسبوع الماضي كانت بحاجة الى مزيد من التفصيل. فقد جاءت ردود الفعل عليها عصبية زيادة. ثم حصلت الزيارة القصيرة لاحمدي نجاد الى الرياض لتقول ان الدبلوماسية الايرانية اذكى وأكثر مرونة وأبعد نظراً من تلك التي مارسها صدام حسين. وبالتالي فان البراغماتية او الباطنية او التُّقْية الايرانية (حسب التعبير الفقهي) تمنح طهران مساحة للمناورة والهرب أوسع من التي كان يلعب بها صدام حسين.أوضح الشواهد المرئية على البراغماتية او التقية الايرانية هي الاعلانات المتكررة مع نشرات أخبار قناة الجزيرة والتي تقدّم فيها طهران نفسها للمشاهدين العرب على انها فارس Persia الخضراء الوادعة المزدهرة بالثقافة والأرزّ وبالعيون السوداء الوسيعة والموسيقى الأليفة. هي رسائل اعلانية في منتهى الذكاء, وان تكن مرتفعة الكلفة. توقيت بثها وتنويع مضامينها يعيد التأكيد على أن الدبلوماسية الايرانية الهجومية لها طابع مؤسسي ولا تقاد بشكل فردي مركزي كما كان الحال مع عراق الثمانينات والتسعينات والألفين. وبالتالي ليس شرطاً أن يقع أحمدي نجاد بالفخ الذي وقع به صدام حسين. فالعقل الايراني يصفونه في منطقة الخليج بأنه شبيه بالعقل الشامي في قابليته للمساومة والمقايضة والتعامل بقاعدة الربح المتبادل win - win.
كانوا على طاولة العشاء مساء أمس الأول في منزل رئيس وزراء سابق باحدى ضواحي عمان الغربية. ستة من السياسيين محترفي تصنيع الحملات البرلمانية يجهزون للانتخابات النيابية التي يرجحونها في الثلث الأخير من شهر تموز بأكثر مما هي متوقعة في أكتوبر او نوفمبر. وفي قناعتهم ان تقليص المدة التي تفصل بين الانتخابات البلدية والبرلمانية الى شهر أو أقل، ربما يكون أفضل، خصوصاً اذا جرى إعادة توزيع الدوائر الانتخابية.
على أي حال، توقّفوا جميعهم عن الأكل اثناء نشرة الأخبار عندما عرض التلفزيون صورة الرئيس أحمدي نجاد في زيارته للسعودية وهو يمسك بيد العاهل السعودي ويطيل الإمساك الودود. كانت لقطة جعلت المضيف، رئيس الوزراء الأسبق، يقطع صمت الأكل قائلاً: هذا الرجل محشور وقد جاء يعرض المساومة! برأيكم أين ستنتهي الصفقة بين ايران وامريكا فيما يخص رزمة الملفات الاقليمية مجتمعة؟ أيهما الذي ستحتفظ به ايران عندما يجري تخييرها: العراق او القنبلة النووية؟
في موضوع الصفقة الاقليمية الكبرى المنتظرة، واضح أن عناصرها اوشكت على الاكتمال:
1- ايران بنت على مدار العقدين الماضيين تفاهما ضمنياً مع مؤسسات الواقعية الوسطية في الادارة الأمريكية وهي الخارجية والمخابرات المركزية، ونجحت في ازاحة أكبر منافسيها وهو صدام حسين، كما نجحت في إلغاء وظيفة الدولة العراقية كبوابة شرقية للعالم العربي.
ومع ارتباك الدور المصري وغياب القيادة المركزية للنظام العربي وانشغال تركيا واشتعال المسألة الفلسطينية، فقد تشجعت ايران على ممارسة حلمها القديم بالتمدد الجيوسياسي وهي تشعر بأنها قادرة على ملء الفراغ القيادي بالشرق الأوسط واستثمار الورقة المذهبية بطريقة تخاطب طموحات المحافظين الجدد في الادارة الامريكية ممن يحلمون بتصميم شرق أوسط جديد مختلف.
2- لكن يبدو ان ايران في سعيها لأن يتم الاعتراف بها كقوة إقليمية رئيسية، استعجلت وأساءت ادارة الملف العراقي وذهبت بعيداً في إثارة مخاوف الخليج ودول المذهب السنّي"، كما أنها لم تستوعب جيداً اللعبة الامريكية الداخلية وقدرة اللوبي الاسرائيلي على المشاركة في إعادة رسم اولويات الأجندة الامريكية.
ولذلك فوجئت طهران بسرعة وحِدّة الانقلاب الذي حصل في التكتيك الأمريكي بالتعامل مع الملف العراقي. وكما يقول سيمون هيرش في صحيفة نيويوركر فقد غيّرت إدارة جورج بوش ترتيب قائمة الأعداء لتصبح ايران الشيعية قبل تنظيم القاعدة السنّية، ولتتحول المهادنة او المماطلة الامريكية في موضوع الملف النووي الايراني الى مواجهة وحشد عسكري يحمل رسالة تقول ان الحرب حتمية قبل الصيف وأن واشنطن تدفع الايرانيين لاقتراف خطأ يبرر الهجوم عليهم.
وفي هذه السياقات المتسارعة التي جرى بموجبها فرز القوى الاقليمية فرزاً سياسياً على قواعد مذهبية،وجدت ايران نفسها محاصرة بحلقات مستجدّة. كما وجدت نفسها تحمل عشر بطيخات في يد واحدة، (الملف النووي، العراق، سوريا، حزب الله،حماس، تنظيم الحوتي اليمني، والأحزاب الشيعية في الخليج ..الخ). حتى إذا استحق موعد التصفيات النهائية بفكفكة تحالفات ايران مع سوريا وحماس وبإعادة تشكيل الواجهة الحكومية والأمنية في العراق، وبإصدار قرارات جديدة من مجلس الأمن بخصوص الملف النووي، فقد كانت ايران جاهزة للتفاوض والمساومة والمقايضة: كان عليها أن تبلغ الرياض وواشنطن بالذي ستحتفظ به والذي ستتخلى عنه : العراق أو القنبلة النووية؟ وفي الحالتين ستفوز ايران بالذي لا يرضي العرب ولا يطمئنهم.
جواب طهران إن لم يكن الامير بندر بن سلطان قد سمعه هذا الاسبوع أثناء زيارة أحمدي نجاد للرياض, فانه - أي الجواب - لا بد وأن يكون جاهزاً قبل القمة العربية، وبالتحديد في مفاوضات بغداد التي سيلتقي فيها الامريكان مع الايرانيين والسوريين لبحث الاوضاع الاقليمية كحزمة متكاملة.
mustafa@albaddad.com