لم يكن مفاجئا لكاتب هذه السطور أن يصدر قرار العقوبات الثالث ضد إيران بإجماع 14 عضوا في مجلس الأمن. فالحراك الدولي الذي سبق هذا القرار كان يعطي إشارات قوية أن هناك إصرارا من أربع دول رئيسية على إصدار هذا القرار. فالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا كانت حريصة على صدور القرار بإجماع لافت رغم تقييم مجلس الاستخبارات الأميركية ورغم تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي.القرار الذي حظر السفر على 13 شخصية لها علاقة بالبرنامج النووي، كما حظر التعامل مع 12 شركة إيرانية تعتقد الدول الغربية أنها تعمل في ميدان تطوير البرنامج النووي ومنظومة الصواريخ الإيرانية. قرار العقوبات يطالب الدول بفرض مزيد من القيود على الشركات والمؤسسات المالية التي تساعد المؤسسات والشركات الإيرانية ولا سيما تلك العاملة في الحقل المالي، ويطالبها بمزيد من التدقيق في تعاملاتها المالية مع الشركات الإيرانية، كما يعطي القرار الحق بتفتيش الحمولات البرية والبحرية المتجهة إلى إيران.
مشروع العقوبات الثالث يعطي إيران فرصة 90 يوما/ يطالب بعدها مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية برفع تقرير للمجلس يبين فيه مدى التزام إيران بالطلبات المقدمة في قراري العقوبات السابقين 1747،1737 والمتعلقة بوقف التخصيب والكشف عن مصادر اليورانيوم الذي تحصل عليه إيران. يبقي قرار العقوبات الباب مفتوحا لمراجعة العقوبات بناء على نتيجة التقرير الذي سيقدمه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
القرار الجديد يميزه التأييد الروسي الصيني، وهو الأمر الذي كانت الولايات المتحدة حريصة عليه. فهو يدعم وبقوة إرادة التصعيد الأميركية ضد إيران، وكلما نجحت في إضافة دول إلى قائمة الدول القلقة من البرنامج النووي، ساعد ذلك في عزل إيران سياسيا. الدولتان تبحثان منذ فترة ليست قصيرة عن مزودين للطاقة وأسواق جديدة، وهي خطوة ربما يفهم منها استعدادهم لتخفيف التعامل الاقتصادي مع إيران. البلدان ينظران إلى دول الخليج العربية القلقة من البرنامج النووي الإيراني كشركاء محتملين، وبالنظر إلى أن دول الخليج تحظى بمكانة دولية فإن التعامل معها ربما يبدو مريحا أكثر.
هذا بالطبع لا ينفي ازدياد التنافس بين كثير من الدول على الحضور الاقتصادي والسياسي في منطقة الخليج. في هذا السياق فإن الحديث عن الدبلوماسية والاستمرار في التفاوض مع إيران لم يكن في الحقيقة الا نوعا من المنهكات التي ربما نجحت في إغراء روسيا والصين للتصويت على القرار، لا سيما أن هاتين الدولتين كانتا تصران دائما على الحل الدبلوماسي من خلال التفاوض لحل أزمة الملف النووي الإيراني.
ما يميز القرار 1802 أيضا انه صدر في اليوم الذي غادر فيه الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد بغداد بعد زيارته التي وصفت "بالتاريخية". هذا التزامن ربما يرسل رسالة مضمونها أن أي انفتاح دبلوماسي تسعى إليه إيران سيكون دائما مواجها بحصار دولي، وان على إيران أن تبقى أسيرة برنامجها النووي في حركتها في الإقليم والعالم.
في هذا السياق فإن هذا القرار سيزيل أي نوع من الشكوك -ربما- تركها تقييم مجلس الاستخبارات الأميركية الذي صدر في شهر تشرين الثاني 2007، والذي أشار إلى أن إيران أوقفت العمل ببرنامجها النووي ذي الاستخدامات العسكرية عام 2003. وقد خشي البعض من إمكانية تغيير في السياسة الأميركية نحو إيران.
إن نقل الملف النووي الإيراني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن والتعامل معه تحت مظلة الفصل السابع، لم يكن يعني التأكيد على الطبيعة التصعيدية مع إيران، لذلك كانت هنا أربعة قرارات دولية 1696، 1737،1747،1803 خلال اقل من عامين.
القرار الجديد لن يكون بعيدا في تبعاته عن مسرح الانتخابات البرلمانية للمجلس الثامن في إيران التي ستعقد في هذا الشهر، فالقوى السياسية التي تؤمن بالعداء لأميركا ستوظف هذا القرار في حشد الرأي العام حول برنامجها الذي يؤكد على تاريخية العداء الأميركي لإيران، كما سيستفاد منه في التشكيك في وطنية التيار الذي ينادي بالانفتاح وهو الأمر الذي ربما سيقلل فرصه القليلة أصلا في الحصول على عدد كبير من المقاعد.
أخيرا، فإن الدعم الأميركي غير المتناهي لهذا القرار يؤكد الفصل القائم في السياسية الخارجية الأميركية بين البرنامج النووي الإيراني ومسألة التفاوض مع إيران حول العراق، كما يطرح سؤالا كبيرا حول مصير جولة المحادثات الأميركية الإيرانية حول الأمن في العراق والتي تأجلت أكثر من ثلاث مرات حتى الآن، وعن إمكانية أن يقدم الإيرانيون فيها ما يلبي الطموح الأميركي.
m.zweiri@css-jordan.org
عن الغد.