المفرق .. ملتقى الهجرات ومستودع الحب والحنين .. *محمود كساب
mohammad
01-07-2014 05:36 PM
كانت بلده المفرق مجموعه من البيوت المتنافرة المتباعدة وكانت بيوت الشعر بجانب بيوت الطين قيل عنها وفيها بانها بلده الغباير.. والحفاير... والحماير.. وهذا صحيح زوابعها متلاحقة زوبعة ورا زوبعة ، كان الناس يبللون المحارم والشرايط ويضعوها على انوفهم لكي لا يموتوا خنقا، والحفاير اشاره الى مرابض مدفعية الجبش العراقي ودباباته وسياراته وكان معظمها وسط البلدة وقريبه من بيوتها، اما الحماير فكانت وسيله النقل الوحيدة لنقل الناس والماء من بركه الخليج للبيوت .
كانت جموع اهل البلدة تشتغل في اماكن ثلاثة لا غير اولا في محطه الاي..بي. سي (شركة البترول العراقية) والثانية مطار الار.. اف والثالثه سكه الحديد.. ما كانت اشيلوز سفينه عبد الرحمن منيف الوحيدة التي تحمل اللامعقول العربي احتقارا لنفسه وقتل للآخر كبار السن في المغرب العربي كانوا بتحدثون في اماسيهم عن الريح والموج والمطر وعن الفراشات الجميلة فوق الجبل والصبية الجميلة كانت تغسل قدمها بالبحر وترنو للبعيد تنتظر الحبيب ولكنه لم يأتي بل جاءت الايام السود تحمل البشر الى الشرق.. بلاد تشيل بلاد تحط بلاد تشيل بلاد تحط الى ان حط زملهم الاول وسفنهم الاولى على اكتاف الصحراء ببلده المفرق بالقرب من محطه سكه الحديد الحجازي....
اول رئيس بلديه كان المغربي علي باشا عابديه من 1945...1951 ، وبعده جاء نائبه محمد الاوجلي كرم في النفس وضيق بذات اليد والمطر شحيح والغبار كثيف والرمد في العيون والليل طويل والارق قاتل، محمد عيسى ابو طريف اول من بنى دار للسينما فتعلمنا خداع البصر وعرفنا.. سراج منير... وكوكا وبشاره واكيم وشرفنطح والاخوين... بدر لاما. حسن ادهم الفرجاني حسونه ابو غالب لا احد يدري متى اصابه العمى؟ لوحه الاخضر تتلمذ عليه الكثير منهم القاص الاديب فايز محمود والشاعر فرحان ابو درويش والمغترب سمير اسحق ومحمود كساب واخرين، علي ابراهيم صاحب اكبر شنب هو اول من ادخل صناعه الفلافل المحشية بكل ما تشتهي الانفس، محمود المدني نبض الليالي الرمصانيه((( با نايم وحد الدايم) طبل الاعياد والفراشات الصغيرة من وراه ( يا اولاد محارب يويا شدو القوالب يوبا قوالب صيني يويا مثل الفليني يويا) ويشاركه الشياطين اقراص العيد والحلوى وبعض القروش.. سهيل ابن الياشا ما كان نمرودا كان شاعرا ثائرا موجوعا يشرب ولكنه بكل مساء يحاول ان يلحق بالشمس قبل الغروب ينادي في القوم ان يلعنوا جراحهم وحزنهم وان يكفوا عن التذمر والمواويل الحزينة، (( عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف) كانوا يستدينون من التاجر محمود عكور واحتفظ بدفتر الدين انتقل عظماء العراق الى الرفيق الاعلى ولحق بهم التاجر محمود عكور واما دفتر الدين فلربما بانه مازال هنا او هناك تحت غبار السنين في البيت الكبير بيت علي باشا عابديه غنت السيدة ...اسمهان وذلك من قبل الرحيل الى القاهرة.
لقد تميزت بلده المفرق بالتعددبه والتفاعل والتمازج الانساني المدهش فقد احبت الكل واحتضنت الجميع، انها لحظه عجيبة التي تنتابك بها الاشياء، وفي اقصى حالات التوتر والانفعال فليس بمقدورك ان تهرب في اي اتجاه اذا ما حاولت رصد هذه الهجرات دموع على الدروب وعيون الامهات والزوجات والاطفال، وقد تكون هذه الهجرات من اهم اسباب الرؤى الإبداعية عند المفكرين والمبدعين وكتاب التاريخ، ونحن الجيل الرابع من اصدقاء المغاربة ما نزال نعرف اماكن سكناهم وشواهد قبورهم ونقرأ على ارواحهم الفاتحة بشيء من الرهبة والاحترام المهيب نبكيهم بصمت عرفانا لهم واحياء لذكراهم نكتب عنهم ولهم بعثا للحياة ورمزا لها نكتبهم لانهم كانوا ملهمون خلقو من الحياه الصحراوية حقيقه شاهقه شامخه تستحق ان تعاش وتشعر الانسان بوجوده.... طاهرا... وجميلا.. انها بحق ملتقى الهجرات ومستودع الحب والحنين.