في واحدة من أشهر قصائد الشاعر اليوناني كفافي افتضاح لمن ورطهم التاريخ ببطالة لا نهاية لها، منهم لا يجدون شيئا يفعلونه، ويعيشون بلا دوافع حقيقية للحياة، وما ان سمعوا بان البرابرة قادمون وقريبا من اسوار مدينتهم حتى ذهبوا وجلسوا ينتظرون قدومهم، ولم يكن لديهم ما يقومون به اثناء الانتظار الا التثاؤب وقد يتسلل الذباب الى افواههم وهم عاجزون عن طرده، لانهم اشبه بالقوم الذين وصفهم ابن اياس في كتابه بدائع الزهور، والذين جلسوا على اسطح البيوت وبايديهم الخطافات لاصطياد المارة واكلهم لانهم لم يتورعوا عن اكل بغلة القاضي المربوطة قرب المحكمة وهي نيئة!
وقد يكدح بعض البشر على مدار الساعة لكنهم غارقون في بطالة روحية لا يدركونها، لانهم يعيشون فقط، أما الحياة فهي في مكان اخر وهذا ما عبر عنه الشاعر الانجليزي إليوت بسؤاله الصعب:
اين هي الحياة التي اضعناها في العيش؟
وبالعودة الى هؤلاء التنابلة العاجزين عن طرد الذباب وهو يبيض على شواربهم وانوفهم وينتظر لحظة التثاؤب كي يتسلل الى احشائهم، فهم انتظروا اليوم الأول لكن ما من اشارة او بشارة لوصول البرابرة، ومرّ اليوم الثاني وهم يترقبون لعلّ قدوم البرابرة يحدث فاصلا في حياتهم الرتيبة وايامهم المنسوخة بالكربون عن يوم واحد!
لكن لسوء حظهم خيب البرابرة ظنهم وقرروا ان لا يدخلوا الى مدينتهم، فماذا سيفعلون!
هل يعودون الى حياتهم المتكررة حيث يقضم الضجر انوفهم ام يواصلون الانتظار تحت الاسوار؟
لعل برابرة آخرين يأتون، بالطبع ليست هذه الحكاية من ابتداع خيال شاعر بقدر ما هي خلاصة خبرة، وما لم تقله الحكاية هو ما الذي كان سيفعله البرابرة لو وصلوا هل سيعذبون ضحاياهم ام يعفّون عن ذلك، لان العفو اقسى من العقاب؟
فالماسوشي الذي ادمن استمراء الالم وبحث عنه بل حاول ان يخلقه، يكون عذابه اشد اذا قرر جلاده ان يعفو عنه!
وهذا ما يفسر لنا ظواهر من طراز الحنين الى الاستعباد، او تقبيل الضحية لسوط الجلاد وقَدَميه، الامر أبعد من الشعر ومن التاريخ ايضا انه من صميم السايكولوجيا البشرية حين تصاب بانحراف حاد يفسد فطرتها، ويصيبها بالعمى؟
والقوم الذين تساءلوا حائرين! كيف سنعيش ايامنا القادمة بلا برابرة!
سرعان ما افرزوا برابرتهم من صلبهم!!
(الدستور)