يستقبل اللاجئون السوريون رمضانهم الرابع، وقد بدأوا صومهم على لهيب شوق العودة إلى الوطن المكلوم، الذي لا تخفف حدَّته لهيب حزيران وسط الخيام وشظف العيش وانتظار المعونة، وألم الإحساس الرابض في عيون الصبية الذين قبل سنوات كانوا يتحلَّقون مع ذويهم على موائد الإفطار الشامية العامرة بكل أصناف الطعام والشراب والحلويات، فأصبحت طيفاً عابراً من الذكريات الجميلة التي تزيد من حدَّة الحزن وتبعث على الشجا.
تقول بعض المراكز والمؤسسات المختصَّة بشؤون اللاجئين السوريين، إن الأعداد المسجَّلة لديهم والموثَّقة بطريقة دقيقة تشير الى أن عدد اللاجئين السوريين بلغ ثلاثة ملايين في دول الجوار: الأردن ولبنان وتركيا والعراق، وأن عدد النازحين الذين تركوا منازلهم ومدنهم وقراهم داخل الأرض السورية بلغ سبعة ملايين نازح، هذه الأرقام لا تشمل الذين خرجوا دون تسجيل وبعضهم يُقيم في المجتمع وفي استضافة بعض العائلات وليس لديهم وثائق، ما يجعل العدد المقدَّر أكثر من العدد الموثَّق المقدَّر بعشرة ملايين مشرد، لا يجد أغلبهم الحاجات الضرورية والأساسية للعيش، فضلاً عن المسائل المتعلقة بالصحة والتعليم والرعاية الشاملة.
أكثر ما يثير الحزن في رمضان اليوم عندما يجلس الكثير من العائلات وقد فقدت رب الأسرة، أو بعض الأشقاء الكبار والصغار، وتنقل بعض التقارير بعض الحالات التي تثير غصة في حلق كل مسلم، مثل بعض الفتيات اللاتي أصبحن بلا معيل، ولا أب ولا أم، وبعضهم انقطعت أخبارهم ولا يدرون هل هم على قيد الحياة أم في عداد الأموات أم يقبعون في السجون والمعتقلات.
ربما تكون أهم شعيرة من شعائر الصيام هي الشعور والإحساس بمشاعر هؤلاء يومياً على مائدة الافطار، فيصبح لزاماً علينا جميعاً أن نفكر بتخفيف المعاناة عن أشقائنا الذين يعيشون مرارة الذل والتسول على أعتاب المؤسسات الدولية، وبعض الجمعيات الخيرية التي تحاول -مشكورة- تقديم الحاجات وسط تجاهل المجتمع الدولي لهذه الجريمة البشعة التي ترتكب بحق الشعب السوري، و وسط «بلادة» سياسية غير مبررة من الأشقاء العرب.
لا نودُّ الخوض في الخلاف السياسي، ويجب التوقف عن ممارسة الحماقة السياسية التي شردت نصف شعب الدولة السورية لمدة أربع سنوات متوالية، في أكبر عملية تشريد ونزوح في التاريخ الحديث، التي ربما تجاوزت ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما زال السياسيون يمارسون ترف علك الكلام وتكرار المصطلحات البائسة البعيدة عن ملامسة الحقيقة البشعة.
العرب معنيون بإيجاد مؤسسة عربية كبرى تُعنى بالشأن الإنساني العربي المتعلق بحالة (اللجوء)، حيث أنه لا توجد أمَّة على وجه الأرض تعاني من هذا الحجم الضخم من اللجوء الطويل والمستمر الذي أصبح سمة ملازمة لبعض الشعوب العربية، وألا ننتظر عطف المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، وبعض الدول العربية تملك فائضاً نقدياً يصل الى مئات المليارات بل الآلاف، من أجل أن نخدم أنفسنا أولاً قبل ممارسة لعبة العتب على الاجانب.
السياسيون والعقلاء والحكماء بحاجة للتفكير بالبحث عن إيجاد هذه المؤسسة التي تشرف على تنظيم الجهود الرسمية والشعبية والتطوعية والخيرية العربية من أجل مأسسة هذا العمل وتنظيمية بالاستعانة بالجهود العالمية والخبرات الانسانية، وألا تبقى هذه المسألة في حدود نطاق الفزعات والهبَّات الشعبية غير المنظمة.
(الدستور)