بمنطق الترهيب والتخويف، تحاول أطراف عربية وإقليمية توظيف خطر تنظيم "داعش" بعد انتصاراته في العراق، لجر الأردن إلى خندق هذا المحور أو ذاك.
بالملموس، يمكن القول إن هناك تنافسا شرسا على الدور الأردني في مرحلة ما بعد إعلان "دولة الخلافة".
"داعش قادم لا محالة؛ ليس أمامكم في الأردن من خيار سوى الوقوف في خندق المحور السوري الإيراني". هذا هو منطق أنصار النظام السوري وإعلامه حاليا.
على الجبهة الأخرى، يرى أنصار المعارضة السورية أن واجب الأردن دعم المعارضة، لأن انتصارها يكتب نهاية التشدد في سورية والعراق. وفي العراق، من يعتقد أن واجب الأردن دعم السُنّة في مواجهة سياسة الاجتثاث التي تنتهجها الحكومة "الشيعية"، باعتبار ذلك أولوية على محاربة "داعش" في هذه المرحلة.
الولايات المتحدة تريد الأردن في صفها؛ هو في معظم الأحيان إلى جانبها، لكن ليس إلى مستوى التورط في الصراع المحتدم في العراق. الأردن، وحسب معلومات شبه مؤكدة، أبلغ الإدارة الأميركية أن جيشه لن يشارك في أي عمليات عسكرية ضد "داعش" في العراق.
إسرائيل تسعى هي الأخرى لتوظيف خطر "داعش"، لإحياء علاقاتها الباردة مع الأردن. ربما لا تكون العلاقات على المستويات الأمنية والعسكرية باردة كما هي في المجالات السياسية والاقتصادية، لكن نتنياهو يبدو حريصا في هذه الأوقات على استقرار الأردن وقوته، لأن ذلك يشكل مصلحة إسرائيلية ليس إلا.
دول أخرى في المنطقة تأمل بدور أردني على مقاسها؛ يحارب القوى المتطرفة متى شاءت، ويدعمها متى شاءت أيضا. الجدل المستمر منذ أربع سنوات حول المقاربة حيال سورية يجسد هذه الحال.
لا نعلم موقف حليفنا محمود عباس وسط هذه التجاذبات، لكنه ربما يتمنى في سره أن يفتح الأردن خطوط اتصال مع النظام السوري على غرار ما فعل هو!
"داعش" وأخواته من الجماعات المتطرفة والإرهابية هي خطر على شعوب المنطقة قبل أنظمتها. الأردن في جوار الخطر؟ هذا صحيح، لكن كما كان دوما يصيغ مقارباته، يستطيع الأردن اليوم أن يواجه التحدي من دون الحاجة للانخراط الكلي في محور على حساب الآخر.
يحارب "داعش" عندما تصبح تهديدا أمنيا مباشرا، ويستعد لهذا الاحتمال من قبل بتوسيع دائرة الاتصالات مع كل الدول والأطراف، بصرف النظر عن هوية محورها أو تحالفها.
هناك تنسيق استراتيجي عابر مع الولايات المتحدة؛ هذا أمر مؤكد. لكن واشنطن الساعية لحشد الحلفاء في معركتها في العراق، لا تملك استراتيجية واضحة في العراق ولا حتى في سورية، فعلى ماذا سنعمل سويا؟
و"داعش" بالنسبة للبعض حليف في سورية وعدو في العراق؛ لا يمكن للأردن مجاراة هؤلاء في تناقضاتهم. بالنسبة له، "داعش" تنظيم إرهابي، سواء كان في سورية أو العراق. قد تكون هذه المقاربة هي التي تغري قوى في المنطقة بمغازلة الأردن على أمل أن ينجذب إلى جانبها.
ينبغي على الأردن أن لا يتأثر بحملة التخويف، وأن لا تجذبه في الوقت ذاته إشارات الغزل؛ ففي الحالتين المطلوب هو توريط الأردن في حالة الفوضى المدمرة. هناك بالفعل من يغيظه استقرار المملكة، ويتمنى أن يراها غارقة في دمها.
تنويه:
في مقال أول من أمس سقط سهواً اسم رئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز من بين أسماء رؤساء الحكومات في العهد الجديد الذين خاضوا الانتخابات النيابية. ما اقتضى التنويه والاعتذار.
(الغد)