خصص وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، معظم أيام الأسبوع الماضي للأزمة في العراق؛ زار عمان، وتوجه لباريس حيث التقى بوزراء خارجية ثلاث دول حليفة لواشنطن في المنطقة، وفي المعلومات أيضا مشاركة زعيم تيار المستقبل سعد الحريري في الاجتماع. بعد ذلك توجه إلى الرياض، وكان زار من قبل بغداد وأربيل.
جولة كيري على اتساعها تُظهر افتقار الإدارة الأميركية لتصور جدي لتجاوز الأزمة الخطيرة في العراق. لم يقدم كيري شيئا يذكر سوى الانطباع الذي تركه عن استعداد واشنطن للقبول بعودة نوري المالكي من جديد، في وقت تُجمع فيه مختلف الأطراف، بما فيها قوى شيعية وازنة، على أن مفتاح الحل في العراق يكمن في تنحي المالكي.
واشنطن وحلفاؤها في المنطقة يعتبرون أن الأولوية في هذه المرحلة هي التصدي لتنظيم "داعش" ودحره. ولأن الإدارة الأميركية لا تفكر بسلاح لهذه المعركة غير الطائرات بدون طيار، فقد تفتق ذهن وزير خارجيتها عن فكرة عبقرية لمحاربة "داعش"، لا بل وهزيمته، وهي ببساطة الطلب من المعارضة السورية "المعتدلة" بقيادة أحمد الجربا التدخل "عسكريا" في العراق لضرب أوكار "داعش" والقضاء عليه.
كيري الدبلوماسي العريق والطيب، يريد من المعارضة السورية المعتدلة التي وصفها الرئيس الأميركي قبل أيام بالعاجزة، أن تقوم بمهمة يعجز عنها الجيش الأميركي الجرار. المعارضة "المعتدلة التي سحقتها "داعش" و"النصرة"، وأجهز عليها النظام السوري، هي في نظر كيري القوة القادرة على مواجهة الإرهاب في العراق!
وذهب الوزير الأميركي في خياله أبعد وأخطر من ذلك، عندما طلب من الجربا أن يستثمر امتداده القبلي في العراق في المعركة مع "داعش".
لقد أثار اقتراح كيري هذا سخرية المعلقين في المنطقة. ومن سمعه يتحدث بالأمر، خيل إليه أن المعارضة "المعتدلة" في سورية أنجزت مهمة إسقاط النظام ودحر الإرهاب هناك، وما عليها سوى القيام بجولة قصيرة في مدن العراق لاعتقال عناصر "داعش".
بالمناسبة، الجربا صدق الكذبة، وبدأ يتصرف بوصفه رئيس دولة بحق، وأعلن بالأمس نيته سحب الثقة من رئيس الحكومة المؤقتة!
كيري غادر المنطقة بعد هذه المساهمات القيمة في الملف العراقي، وفي الانتظار تحليق الطائرات بدون طيار لتقصف أهدافا منتقاة في مدن يسيطر عليها مسلحو العشائر وعناصر "داعش".
لكن منذ الآن يمكن التنبؤ بتواضع النتائج، بينما الأزمة السياسية تراوح مكانها؛ القوى الشيعية تخفق في الاتفاق على مرشح واحد لمنصب رئيس الوزراء، والسنة يتمسكون برحيل المالكي كشرط لاستئناف الحوار وحضور جلسة افتتاح البرلمان المؤجلة إلى إشعار آخر. والأكراد لا ينشغلون كثيرا في مثل هذه التطورات، ويستعدون لاستفتاء على مصير مدينة كركوك، كخطوة أخيرة تمهد لإعلان استقلال إقليم كردستان.
استمرار حالة الفراغ السياسي تعني ببساطة بقاء المالكي لأجل غير محدود. ومع مرور الوقت، تكبر في رأس سُنّة العراق فكرة الإقليم السني المستقل. معنى ذلك أن التقسيم يصبح أمرا واقعا، ومعه اقتتال طائفي لا يتوقف على كل الجبهات.
في وضع كهذا يصبح خيار الطائرات بدون طيار بلا جدوى؛ فكم من الأهداف يمكن قصفها في ميدان ترتكب فيه كل الأطراف أعمالا إرهابية؟!
***
تنويه: في مقال أمس سقط سهواً اسم رئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز من بين أسماء رؤساء الحكومات في العهد الجديد الذين خاضوا الانتخابات النيابية. ما اقتضى التنويه والاعتذار.
(الغد)