المكارثية .. إرهاب ثقافي مستمر
اسعد العزوني
29-06-2014 03:30 PM
المكارثية هي إتجاه سياسي رجعي ،ظهر للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1950،على يد السيناتور جوزيف مكارثي، بهدف محاربة ومكافحة ومطاردة الشيوعيين في أمريكا ،إبان الحرب الباردة التي أنهكت العالم بأسره،وقد تمكن مكارثي من إيداع العديد من الأمريكيين في وزارة الخارجية وغيرها السجون ،لكنه تبين لاحقا أن إتهاماته لهم ،لم تكن صحيحة ،فأطلق سراحهم،وبعدها جرى فتح ملفه ،خاصة وأنه حاول النيل من كبار قادة الجيش الأمريكي وكيل التهم بالإنتماء للشيوعية لهم.
بدأ مكارثي عمله المشبوه بإعداد قائمة تضم 205 أشخاص ،من كبار موظفي وزارة الخارجية ،وتتطور الأمر بشمولها آخرين من عموم أمريكا ،من العاملين في المؤسسات الأمريكية الكبيرة،بمعنى أن أمريكا بمجملها ،أصبحت هدفا لمكارثي الذي وضع وزارة الخارجية وهوليود والكونغرس والصحافة ،أهدافا له،وساعده في عمله هذا اليهودي الفاسد المرتشي رون كوهين.
بعد أن عبث مكارثي في أمريكا ،وأغلب الظن أنه كان مسيرا من قبل يهود لتخريب الولايات المتحدة ،إنتقل جوزيف مكارثي إلى أوروبا ليمارس ذات العبث، وإستغل المكانة الكبيرة التي تحظى بها أمريكا في أوروبا منذ إنتهاء الحرب الكونية الثانية ،وقيام أمريكا بحماية أوروبا .
كان نشاط مكارثي في أوروبا موجها ضد الكتاب والمثقفين اليساريين ،وظهرت قائمة أوروبية سوداء ضمت هؤلاء المثقفين والأكاديميين وحظر عليهم دخول أمريكا.
ركز مكارثي نشاطه العبثي ضد اليهود ،ويبدو أن ذلك كان غطاء لعمله وإخفاء لنواياه المبيتة، خاصة وأن اليهود كانوا يترأسون الكثير من النظمات الشيوعية ويظهرون كيساريين،وإدعى مكارثي أن الشيوعية "دين يريد القضاء على المسيحية"؟؟!! وثبت في نهاية المطاف أن الرجل غوغائي بطبعه ،وأن مهمته مشبوهة ،بدليل مثوله أمام القضاء والتحقيق معه ،وإنكشاف أمره مما جعله يدمن على المخدرات التي فتكت به.
كان مكارثي يتهم أهدافه بدون أدلة ،وتبين أن وزارة الخارجية خالية من أي توجه شيوعي، وإنتهى به المطاف متهما بالفساد والرشوة والتزوير ،وكان من أشهر أتباعه الرئيس الأمريكي الأسبق الممثل رونالد ريغان الذي كان رقمه في ال"إف بي آي"العميل رقم 10".
المكارثية أصبحت وهي كذلك في الوطن العربي تحديدا ،تعني إغتيال الخصوم السياسيين ،وتعتمد إغتيال الشخصية سلاحا لها ،ويقوم المكارثيون بملاحقة ومطاردة الخصوم السياسيين وتشويه سمعتهم ،وطردهم من العمل لحرمانهم من الأمن والأمان العائلي ،من خلال تجفيف منابع الحياة بالنسبة للخصوم ،لإذلالهم والتضييق عليهم، ليقال :هاكم أنظروا مصير من يخالفنا الرأي والتوجه.
الحال في الوطن العربي يظهر نفس النسخة المكارثية مع التطوير الرهيب عليها ،ويتجلى ذلك في مصر بعد إنقلاب السيسي الذي سيصبح رئيسا لمصر مدى الحياة،حيث الحض على الكراهية ،إذ ظهرت مجموعات تدعي أنها الوحيدة التي قيضها الله لحماية المحروسة مصر ،ولذلك ليس غريباأان نرى إنعدام حرية التعبير في مصر وقتل الإبداع ،وما التذرع بالقيم والأخلاق إلا دليل فشل إدعاءات المكارثيين الجدد في مصر.
المكارثية الجديدة في الوطن العربي ،أصبحت تعني الغوص في النفس البشرية وكشف أسرارها ومكنوناتها ،والتنقيب عن النوايا والإنتماءات،بمعنى أننا إستعرنا محاكم التفتيش من أسبانيا ضد اليهود ،وحولناها إلى محاكم للنوايا ضد الإصلاحيين الحقيقيين والمثقفين الملتزمين من أبناء الأمة المخلصين.
التعريف الجديد الذي يجب إعتماده هو أن المكارثية هي فكر هدام ،ينشر ثقافة الخوف والخنوع ،ويضرب الوحدة الوطنية ويمزق نسيجها الموحد ،وهي عبارة عن هلوسات الخوف من زوال السلطة من أيدي البعض .
إسرائيل هذه الأيام تشهد هي الأخرى مكارثية حمقاء مستمرة منذ تأسيسها عام 1948،فهي الآن عاكفة على التحقيق مع منظمات المجتمع المدني التي إنتقدت ممارسات الحكومة والجيش والمستوطنين اللاإنسانية ،بموجب إقتراح تقد م به حزب "إسرائيل بيتنا" للكنيست.
من أهداف وضحايا المكارثية الإسرائيلية ،العديد من المثقفين والأدباء ، يتقدمهم عاموس عوز الذي وصف الصراع الدائر في فلسطين بأنه صراع على ملكية الأرض والممتلكات وليس صراعا عرقيا،ودعا إلى التفاوض مع م.ت .ف ،وتطبيق مبدأ حل الدولتين.
وآخر ما قاله عوز يوم التاسع من الشهر الجاري "أيار" بمناسبة عيد ميلاده ال 75،أن زعران التلال وعصابة دفع الثمن من المستوطنين الذين يحرقون ممتلكات الفلسطينيين ويعتدون عليهم، يشبهون النازيين الجدد في أوروبا،لكنه شدد على أن زعران التلال يحظون بالدعم الرسمي وبوقوف العديد من الحاخامات ورجال القانون خلفهم.
تعمل المكارثية الإسرائيلية على مطاردة المبدعين والكتاب المعارضين لسياستها،وعمل على تسفيه آرائهم بهدف محاصرتهم وإبعادهم ومن ثم تصفيتهم ، ولا شك أن هذه الظاهرة تعد إرهابية بإمتياز ،وقد تمكنت من إقصاء إسرائيل شاحاك وإلبرت آينشتين وإيهود ماغنوس الذي كان أول رئيس للجامعة العبرية ،وكذلك نعوم تشومسكي ورجاء غارودي وغولدستون وكافة المؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين كشفو حقيقة إسرائيل وزيفها على الملأ.