قبل سنوات وخلال حديث مع بعض أهل السياسة الإيرانيين أشار أحدهم إلى أن الحرب العراقية الإيرانية التي استنزفت موارد إيران وأدخلتها في حالة ضعف اقتصادية وغياب للتنمية، هذه الحرب - كما يقول - شكلت قناعة لدى أصحاب السلطة في إيران بتجنب الدخول في أي حروب.
لكن يبدو أن هذه القناعة لم تصمد طويلاً في إيران أمام « شهوة التمدد والنفوذ « في المنطقة وبخاصة أن لإيران إمتدادات ذات طابع طائفي في عدد من دول في الإقليم.
اليوم إيران لا تخوض حروباً بشكل مباشر، لكنها جزء من كل المنطقة بشكل شبه مباشر، وهي معارك تستنزف إيران التي تعاني من الحصار، وتعاني من وضع اقتصادي غير سهل.
إيران اليوم منغمسة في سوريا وهي تقف بشكل قوي إلى جانب النظام السوري، وهذه المساندة ليست سياسية فقط بل اقتصادية وعسكرية وإمداد للنظام عسكرياً بما يصنع صموده، وهناك أيضاً حزب الله الذي يقاتل في سوريا، وقواته تعتمد في موازنتها وأسلحتها على إيران، وهذا يعني كلفة يومية على إيران لدعم النظام السوري بشكل مباشر، وأيضاً دعم لحزب الله وقواته التي تقاتل منذ سنوات، إضافةً الى الميليشيات القادمة من العراق وكلها موالية لإيران.
ورغم أن إيران إستفادت مما جرى في العراق منذ إحتلاله عام 2003 ، وثأرت من العراق كدولة من خلال تحالفها العملي مع الولايات المتحدة ، حيث تدمير المؤسسات وحل الجيش العراقي، وإعادة الدولة إلى عقود إلى الوراء من نهب للثروات والهوية، وإشاعة الفوضى الأمنية والتفجيرات التي لم تتوقف منذ أكثر من عشر سنوات.
رغم كل هذا إلا أن إيران اليوم تدخل إلى جبهة حرب جديدة لمساندة الحكومة العراقية وإبقائها صامدةً سياسياً وعسكرياً، وإغلاق الباب أمام أي واقع يغير الخارطة السياسية التي يسيطر عليها أصدقاء وحلفاء طهران.
والملفت أن إيران لم تعمل على صياغة حالة شيعية موحدة في العراق، وهذا يخدم تفسيراً يؤمن بأن مشروع إيراني قومي فارسي وليس شيعياً، لكنه مشروع يستخدم الطائفية لمصالحه، ولهذا فهي لا تريد حالة شيعية موحدة بل فسيفساء شيعية هي التي تؤثر في بعضها وتقود البعض الآخر، وهذا ينسجم مع مواقف لكيانات وشخصيات شيعية عربية ترفض النفوذ الإيراني.
وفضلاً عن المعارك السابقة فإيران تخوض حروباً صامته في ساحات خليجية، ومعركة الحصار الاقتصادي والملف النووي، إضافةً إلى المعركة الداخلية التي تدار بالقمع والتهميش حتى ضد رجالات الدولة ورؤساء إيران ورجال دين مؤثرين.
النفوذ عنوان معارك إيران، ولن يكون بعيداً أن يتأكد لنا جميعاً أنها معركة النفوذ الفارسي الذي يستعمل الطائفة والطائفية.
(الرأي)