عندما سئل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن رأيه في الأحكام الصادرة بحق صحفيي قناة الجزيرة الثلاثة، قال إن "قضاء مصر عادل وشامخ، ولا نتدخل بأحكامه".
لا شك في أن كثيرين ممن سمعوا هذه العبارة، تذكروا على الفور قضية "بنات سبعه الصبح" القاصرات، اللواتي صدرت بحقهن أحكام قاسية لمجرد مشاركتهن في تظاهرة، وصلت عقوبة الإعدام.
وعندما ثار الرأي العام في الداخل والخارج على هذه الأحكام الجائرة، سارع النظام إلى التراجع؛ وبسرعة البرق أحيلت أوراق القضية إلى محكمة ثانية، وبقدرة قادر تم تخفيض العقوبة من الإعدام إلى السجن سنة واحدة مع وقف التنفيذ!
و"القضاء العادل والشامخ" هو ذاته الذي أصدر أحكام الإعدام بالجملة على مئات الأشخاص، في سابقة لم يسجل تاريخ القضاء العالمي مثلها.
مع ذلك، كان عديد المراقبين يعتقدون أن النظام المصري المنخرط في حرب تصفية حسابات مع خصومه من الإخوان المسلمين وداعميهم من دول عربية، لن يضرب أبعد من ذلك، وسيتجنب غضبة الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان عليه في قضية "خلية الماريوت".
لكن حدث العكس تماما؛ فقد شمل القضاء المسيّس في رعايته لحقوق الإنسان الصحفيين أيضا، وأصدر بحقهم أحكاما جائرة في قضية يعرف القاصي والداني أنها مسيسة منذ بدايتها.
لقد دفع ثلاثة من الصحفيين الأبرياء ثمن الخلاف السياسي والإعلامي بين النظام المصري وقطر، فكان قرار سجنهم بمدد تتراوح بين سبع وعشر سنوات حكما انتقاميا خالصا، لا عادلا ولا شامخا.
والقرار الذي نددت به دول العالم الحر ومنظمات حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات الإعلامية، ليس معزولا عن أجواء الترهيب السائدة في مصر حاليا، بحيث لم يعد مجال لرأي آخر مهما كان أن يعبّر عن نفسه في أي من وسائل الإعلام.
أجواء الترهيب هذه هي التي دفعت بالإعلامي الشهير باسم يوسف إلى الاعتكاف في منزله، بعد أن سُدت في وجهه كل محطات التلفزيون المصرية والعربية.
وهي ذات المناخات التي حملت كاتبا من وزن علاء الأسواني الذي ناصر الجيش ضد حكم محمد مرسي بحماس منقطع النظير، إلى التوقف عن الكتابة مؤخرا.
حملة الترهيب طالت الأعمال الدرامية أيضا؛ فقد مُنع عرض مسلسل بلال فضل "أهل اسكندرية" هذا العام، لمجرد أنه ينتقد التجاوزات في أقسام الشرطة. كانت مثل هذه المسلسلات تذاع على المحطات المصرية في عهد حسني مبارك بكل حرية، وقد شاهدنا العشرات مثلها.
ما تزال أمام الصحفيين الثلاثة فرصة لاستئناف الحكم الجائر. لكن ثبت من قضية "بنات سبعه الصبح" أن القضاء "العادل والشامخ" لا يلتفت لحقوق الضحايا، إلا إذا رفع الرأي العام صوته عاليا.
الصحفيون الثلاثة يستحقون حملة تضامن عالمية قبيل الطعن بالحكم؛ ففي هذه الحالة فقط قد تنقلب أحكام الإدانة إلى البراءة، لا لسبب إلا أن القضاء في مصر كما في معظم الدول العربية، عادل ومستقل وشامخ، ولا يتأثر بالحسابات السياسية ومزاج الحكام!