سمعني أحدهم وأنا أتحدث وأشكو جهارا من مذابح العرب والمسلمين، والذي يشتغل بمهنة مثل مهنة المتاعب، تتدفق الأخبار مثل السم الى دمه، وينفعل معها بطريقة مختلفة.
نهار واحد يكفيك لتقرأ عن قتلى وجرحى في: فلسطين، لبنان ، سورية ، العراق ، مصر ، ليبيا ، اليمن، باكستان وافغانستان، والقتل مجاني، والراحلون بلا اسم ولاعنوان، ولا ذاكرة.
قبلهم قتلى وجرحى في الشيشان وكل القفقاس، وتركيا، والفلبين، والجزائر، وتونس، والصومال ، والسودان، والعداد مفتوح والذاكرة تفيض بدول وشعوب ذبيحة في كل مكان.
لا يتوقف الدم، وكأن وضوء هذه الأمة بات بالدم فقط، اتكاء على المقولة الشهيرة «ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما الا بالدم» وهو وضوء لا يتوقف ولا نهاية له.
صاحبنا أصرَّ -ردا على كلامي- على أن ما يجري للمسلمين دليل على غضب الله علينا، لأننا «عصاة» فتتم معاقبتنا في الدنيا حتى ننال الآخرة وقد تطهرنا، قائلا.. «إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني» .
يتناسى أن أغلب التسلط، هو بين بعضنا البعض، لا من أمة لا تعرفه، ضد أمة تعرفه، مثلنا وفقا لتعبيره، وصراع الرايات باسم الله ضد بعضها البعض، دليل واضح.
إذ أناقشه مثنى وثلاث ورباع، يصرُّ على رأيه، فأقدم له نماذج لدول وشعوب غير مسلمة، تعيش آمنة، وشعوب اخرى لا تُؤمن أصلا بأي دين، فلا يتم هتك دمها، فيرد إنني ابن اللحظة، وإن كل شعب يعصي الله يدفع الثمن، آجلا أم عاجلا.
هذه هي رؤيته، ولم يعد عنها، لا تحت إقناعي إياه أن الله عفو غفور، ولا تحت قولي له إن المسلم اذا صلىَّ أو تصدق أو صام أو حج، يتم غفران ذنوبه، وهو مصر على أن ما نراه مجرد عقاب نستحقه، من دون الأمم ايضا، لأننا عرفنا التوحيد وفعلنا عكسه بعصياننا.
ذات القصة تفردها بين يدي آخرين فيقولون إن ما يجري فتن تم الحديث عنها سابقا، وان النبي -صلى الله عليه وسلم-، تحدث عن هذه الفتن، فترد على هؤلاءأيضا، ان كل عصر من عصور المسلمين، قيل لأهله إن ما يجري فيه انطباق لعلامات الفتن، وكأن هذه الفتن تتحقق في كل عصر، والكلام عجيب حقا.
كل عصر تقع ذات علامات الفتن فيقال للناس إنها مذكورة مسبقا، فتسأل إذا كان كذلك، فلماذا تعود وتتكرر مرات ومرات، وكأن تبرير هؤلاء تهدئة لنفوسنا بأن هذا أمر لا مفرَّ منه، وتم الحديث عنه مسبقا، فنقبله باعتباره غيبا تحقق.
هذه الأيام نغرق في الروايات، بعضنا يقول ان سفك الدماء من علامات الساعة، وآخر يقول لك انها مؤامرة دولية صهيونية، وثالث يقول لك إن سفك الدم عقاب، ورابع يحكي لك عن رؤيته لظهور المهدي، وخامس يعتبر ان سفك الدم قدر المسلمين على يد عدوهم من الشيطان وانصاره من شياطين وبشر.
إريد تفسيرا لكل ما يجري، ولا أجده، في كل ما يقولون، فلماذا لا يكون من حقي كمسلم أن أعيش حياة آمنة مزدهرة، احصل فيها على حقوقي، لا أكره مسلما آخر، ولا عرقا آخر، ولا أتسلط على الناس، ولا يتسلطون علي، ولا على أمتي.
أريد أن أعيش مثل البشر، ومثل الأمم، فلا أكون مطاردا في موطني ولا بلادي ولا مشبوها في كل الدنيا، ولا أريد أن اكون مشروع شهيد في صراع ليس له علاقة بأي استشهاد لله حقا.
اريد ان تكون أمتي متفوقة، مقبولة، تحترم مكوناتها الداخلية، ولا تتشظى على اساس الأعراق والمذاهب والطوائف، اريد ان اشعر بالأمن حقا، وألا أخاف من المستقبل، وألا أبقى بانتظار موتتي باعتبارها تجري يوميا، عند رؤية كل هؤلاء يموتون دون سبب.
الله بعظمته لم يشرعن الموت دون سبب، وجعله مربوطا بغاية محددة، وإلا كان انتحارا.
علينا أن نسأل السؤال بصوت مرتفع ودون وجل: لماذا نحن المسلمين من دون الأمم لا ترتفع السيوف عن اعناقنا، والقتل يومي، إمَّا على يد الاحتلال، واما على أيدينا نحن، والنتيجة واحدة، أن الدم لا يتوقف، والروح لا قيمة لها، ورخيصة ولا تساوي حبر نعيها.
إريد جوابا مقنعا، ولا تقولوا لي إن هذا عقاب جماعي من الله، ورب العزة -عز و جل- أعظم من ان يعاقب الامهات والاطفال، وأجل قدرا من ان يشرد من ذكروه وعبدوه، حتى وإن شربوا من كأس العصيان، لأن هذا العصيان، انزل الله في وجهه حلولا كثيرة، من استغفارك وصولا الى صلاتك وصدقتك وصومك وتوبتك وذكرك وتسبيحك اياه.
اريد جوابا، وشخصيا اظن الجواب كامن في فهمنا الخاطئ لأنفسنا و وجودنا وحياتنا وديننا وعلاقتنا مع الدنيا والآخرة، ثم في رؤيتنا لمعنى العبودية لله.
«ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم»...ما أطول وضوءك و وضوءنا معك.
(الدستور)