السيرة الذاتية للنظام الرسمي العربي منذ أن بدأ قبيل منتصف القرن الماضي كان موزعاً بين حكم مدني عادي جمهوري وملكي وبين مراحل الإنقلابات العسكرية وأنظمة حكم ناتجة عن تلك الإنقلابات، وأحياناً كانت تعيش بعض دول حالات قلق داخلي لكنها كانت تعيش تحت أحد نوعي الحكم.
لكن السنوات الأخيرة حملت تطويراً لحالة النظام السياسي العربي بإتجاه نوع ثالث من الحكم فيه شكليات الدولة من وزارات وأسماء مسؤولين لكن البلاد إما محكومة كلياً أو جزئياً بميليشيات هي التي تحكم، لأن المسؤول الشكلي إما يتبع لإحدى هذه الميليشيات أو تحميه أو يخاف من غضبها، لأنها إن غضبت أقتحمت المكان الذي يجلس فيه وربما اعتقلته أو فعلت ما تريد.
حكم الميليشيات ليس حكم عسكر وإنقلابات، لأن حكم العسكر فيه كل مضامين الدولة حتى وإن إختلف الناس على طريقة الحكم ومنسوب الحريات والديمقراطية، لكن حكم الميليشيات الذي كان أحد إفرازات الربيع في عالمنا العربي، حيث جاءت بعض النماذج العربية تحمل حكماً كاملاً للميليشيات، والأسوأ أن تتوزع البلاد تحت عدة أنواع من الميليشيات فيضيع الأمن وتغيب التنمية ولا يجد المواطن ولا العالم مرجعية حقيقية يتعامل معها.
ومهما كانت نسب القبول لحكم الإنقلابات أي حكم يبدأ عسكرياً ثم يعيد إنتاج نفسه مدنياً فإن الدولة تبقى موجودة، والمؤسسات قوية وحاضرة، بل قد تكون قوتها أقرب إلى القمع أحياناً، وكذلك الحال في الحكم المدني، لكن حكم الميليشيات نقيض لفكر الدولة، ومصدر قلق حتى على أبسط حقوق الناس في حياة طبيعية.
وما هو مؤكد أن الشكل المطلوب للدول ليس القمع بل دولة قائمة على إحترام الدستور والقانون تدار بعمليات ديمقراطية تضمن حقوق الإنسان والحريات.
بقي القول أن نموذج حكم الميليشيات له أشكال عديدة، حيث هناك أحزاب وقوى سياسية تحكم عبر الصناديق أو تشارك في عمليات سياسية لكنها تملك « استثمارات في ميليشيات «.
إما لأغراض سياسية أو طائفية، أو كإجراء وقائي للبقاء في أي لحظة تغيب فيها العملية السياسية.
والأخطر هو أن يعمل السياسيون أو أحزاب في دول بعقلية عضو أو قائد ميليشيا حتى وإن ظهر ديمقراطياً أو يتعامل مع صندوق إنتخابات، لكنه مستعد للإنتقال من التعامل مع صندوق الإنتخابات إلى التعامل مع صندوق قنابل ومتفجرات.
(الرأي)