الاضطهاد الوظيفي ،،، واحباط الكفاءات
د.عبدالله القضاة
25-06-2014 04:20 AM
ذات يوم حدثني صديق يعمل موظفا في احدى المؤسسات العربية عن نيته في ارتكاب جريمة بحق رئيسه المباشر وبعض اعوانه من المدراء ، اعتقدت للوهلة الأولى أنه " يشبح " أمامي ويستعرض "مراجله " ، لكنني اقتربت منه كثيرا بإصغاء مركز ؛ وكونه يحبني كثيرا ؛ فقد أسر لي بنيته الأكيدة بقتل رئيسه رميا بالرصاص وعلى رؤوس الأشهاد !!!.
كان لزاما علي نصرته ؛ وذلك بثنيه عن هذا الفعل ؛ ولكن بالمقابل ؛ كان علي أيضا تحليل الدوافع الرئيسة وراء تصميمه على هذا الأمر ، وخاصة أنه من أكفا وأذكى موظفي مؤسسته ، لابل ؛ موظفي الدولة التي ينتمي اليها !!!.
وبتحليل الأسباب ؛ يقول صديقي : " الا يقتل القاتل ؟" ، قلت : بلى ، فقال إذن سأقتل من قتلني معنويا ، فقلت وكيف يكون ذلك ؟! ، فقال : عندما يتم تجاهلي وتجميدي وعزلي معنويا واضطهادي مع سبق الاصرار والترصد بهدف النيل من شخصي والتقليل من شأني ، وهز ثقتي بنفسي وثقة الآخرين بي ، وتقديم " الرويبضة " علي ، الا يكفي هذا الارهاب المنظم لثورة اقودها للثأر لنفسي ؟! ، فقلت أجل ، ولكن لنفكر بأسلوب آخر ، فلعل من قائد حكيم يعلو رئيسك فيثأر نيابة عنك ، فاقتنع برأيي وتم ما أردناه !!!.
استذكرت هذه القصة ، عندما جاءني قبل أيام صديق آخر ، وإذا به يشكو من ذات الأعراض : اهمال الإدارة لشخصه ، إطلاق الاشاعات ضده وكثرة ثرثرة منافسيه " أسفنته " لدى رئيسه الأعلى ، فعلى سبيل المثال يمنح زملائه اجازات لفترات طويلة دون أي اعتراض ، في حين تعلن الطوارئ إن حصل على إجازته المستحقه، ويجند له " العسس " لمراقبة ذهابه وإيابه ، إضافة الى تبخيس منجزاته وإنكار إبداعاته ...!!!، فأيقنت أنه سيندفع باتجاه قسري نحو العنف ، كون الارهاب الوظيفي يشكل انتهاكا سافرا لكرامة الإنسان وبالتالي يولد عنفا لا يمكن التنبؤ بنتائجه .
كما إستذكرت أنه في عام 2010 ، انتحر ”كيفين موريسي“، محرر مجلة ”فيرجينيا“ الأدبية وذهب ضحية تعذيب نفسي دام ثلاث سنوات على يد مديره ”تيد جينوايز“. كانت إدارة الجامعة على علم بشكوى ”موريسي“، لكنهم فشلوا في وقف مضايقات ”جينوايز“.بعد انتحار ” موريسي “، وصفت أخته ما حدث ” بالبلطجة “، الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الأكاديمية.
وعودة على الاضطهاد الوظيفي ، والذي أصبح ينتشر في مؤسساتنا ، وللأسف كثيراً ما يقع ضحيته ، موظفون أكفاء ومخلصون إذ إن معارضتهم لبعض القرارات ، أو رفضهم لبعض الأوضاع غير السليمة ، واجتهادهم وحرصهم على أداء مهامهم بكل أمانة بعيداً عن التجاوزات والفهلويات ، وعدم اتقانهم لفن التدليس والمجاملة ، كل هذه الأسباب وغيرها كثيرة تؤدي بهؤلاء الإرهابيين ، إلى وضعهم في قائمة المغضوب عليهم ، وتغريهم بممارسة صنوف التعذيب النفسي عليهم ، مستخدمين طرقاً ووسائل مختلفة إما بالازدراء وإطلاق الإشاعات والأكاذيب عليهم ، أو السخرية منهم ، ومن حرصهم وطريقة أدائهم للعمل ، وعمل أحلاف ضدهم ، ومحاولة عزلهم أو تجاهلهم أو تكليفهم بمهام لا تتناسب مع تخصصاتهم ، أو تحط من قدرهم ، وتتبع عثراتهم والترصد لأخطائهم البسيطة وتضخيمها وتهويل عواقبها.، وفي نفس الوقت تغض الطرف عن تجاوزات وتقصير غيرهم ، لا بل فشلهم الوظيفي ،هذا الإرهاب سيؤدي حتما لعواقب وخيمة .
وحتى لا تتفاقم الأمور فإنني اقترح على الحكومة وعلى وجه السرعة ، أن تتخذ إجراءات وقائية لحماية الكفاءات الوظيفية في مؤسسات القطاع العام من الاضطهاد الوظيفي المنظم الذي يمارس عليهم ، وذلك بتفعيل الشفافية في قرارات هذه المؤسسات وترسيخ مبادئ التظلم وتسمية ممثلين لديوان المظالم داخل هذه المؤسسات والسماح بنشر أي تجاوزات او ممارسات تشكل تميزا وانتهاكا لحقوق الإنسان .