كيري في ديرتنا ، ماذا في جعبته ؟
د.حسام العتوم
24-06-2014 01:25 PM
22 حزيران الجاري (يوم الجمعة الفائتة) عاد جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ليزور بلدنا الأردن في العقبة وعمان بعد انقطاع شهد تغيرات جذرية في المنطقة الشرق أوسطية برمتها خاصة في جناحها العربي وما يخص القضية الفلسطينية تحديداً، ومن المتوقع أن شملت الزيارة الأراضي الفلسطينية رام الله و (إسرائيل) ومصر والعراق و سيواصل جولته السياسية هذه حتى تاريخ 27 حزيران الجاري، ومن ضمن أجندتها الاقتراب أيضاًَ من الملفات الفلسطينية والإسرائيلية والسورية والعراقية والإيرانية الشائكة ثم يغادر لبروكسل لحضور اجتماع وزاري لحلف الأطلسي قبل قمة أيلول القادمة كما سيتم هناك مناقشة الأزمة الدموية الأوكرانية المفيدة لأمريكا والمزعجة لروسيا.
كيري باسم أمريكا يعود للأردن ويستمع من سيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني للثوابت الأردنية تجاه القضية الفلسطينية ولما يجري من اقتتال في سوريا وفي العراق رغم اجتياز البلدين العربيين الشقيقين للانتخابات الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، كما يستمع من وزير خارجيتنا القدير ناصر جودة توضيحاً لمجمل مجريات الأحداث التي تعصف بمنطقتنا العربية المصنفة عالمياً بالساخنة والخطيره، وحديث إعلامي عن اقتصار الزيارة لعمان ولقاء الرئيس محمود عباس فيها، وبكل الأحوال الأردن لم يتغير ولم يغير شيئاً من ثوابته الوطنية تجاه أزمة فلسطين إن صح التعبير وهو متمسك بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وبمخارج الحلول النهائية على مستوى الحدود واللاجئين والمستوطنات وحق العودة والتعويض وانهاء الاحتلال والوصايا الدينية، وحسب بنود اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1994، وفي المقابل يلاحظ كيري صعود حماس إلى السلطة في إطار حكومة وطنية فلسطينية مشتركة من شأنها إنهاء النزاع الفلسطيني وتقوية الحوار والمفاوضات مع الإسرائيليين لكن أزمة الاعتقالات الإسرائيلية لنشطاء حماس في غزة واختطاف الإسرائيليين الثلاثة من قبل حماس وضعت الحكومة الفلسطينية الجديدة في أزمة وأحرجت عباس سياسياً، والواضح هنا بأن إسرئيل منذ البداية غير مرتاحة لصعود حماس لسدة السياسة من الثورة والشارع وتشاركها أمريكا نفس الشعور، وهي أي أمريكا حائرة من فشل الدولتين السورية والعراقية في الجوار الأردني ولا تريد للدولة الفلسطينية أن تقوم إلا بمواصفات إسرائيلية بعد تمزيقها، وهي حائرة أيضاً من صعود اسم داعش كفصيل متحرك مقاتل شرس بين دمشق وبغداد مع تواجد ملاحظ لوجستي له في مدينة معان الأردنية إن صحت الأخبار بعد تخطيطها لربط جسر لها مع الأردن، وفي مصر صعود اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي لقيادة الاعتدار العربي، وإيران جاهزة لمحاورة أمريكا حول مشروع النووي السلمي أكثر من أي وقت مضى ولا نوايا حقيقية لديها لتطويره إلى عسكر رغم تمسكها أكثر من العرب أنفسهم بعدم الاعتراف بإسرائيل كدولة قامت على الاحتلال وبقوة السلاح وليس بقوة القانون الدولي أو الشرعية الدولية ولا حتى الدينية اليهودية التي تفتقدها علناً و بمساعدة الأمم المتحدة للأسف.
القضية الفلسطينية تعتبر الأكثر تعقيداً على خارطة الأرض ووضع مسألة الصراع حولها وفيها مع الإسرائيليين في السلة الأمريكية فقط زادها تأزيماً وتعقيداً و فرغها من أية اقتراحات جديدة ناجعة مفيدة وفق خارطة طريق محددة بزمن من شأنها تحويل العنف والخراب وحالة اللاحرب واللاسلم إلى سلام دائم وعادل وشامل، فالعالم اليوم لم يعد يؤمن بسيادة القطب الواحد الشريك في الصراع وسط الأزمات والمنحاز للمحتل، والموازن للسياسات التي تصب في مصلحته حصراً، وهوالمساند للحلول العسكرية الفوقية والخارجية دون أدنى حسبه للنتائج على الأرض والعراق وليبيا خير مثال ، واصبح يجدف وهو الملاحظ (العالم) بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1992 لإنهاء الحرب الباردة وسباق التسلح والانتشار الأقطاب المتعددة المتوازنة والمتعاونة اقتصادياً وبعدل، وقضية مثل الفلسطينية تطمح لدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف ولحق العودة والتعويض لمواطنيها الذين شردهم الاحتلال عامي 1948 / 1967، وللجم سياسة التهويد ولتفريغ المستوطنات من شتات اليهود الرحل القادمين إليها من شتى بقاع العالم والطاردين لشعبها من أرضهم تحتاج لمجلس أمن قوي يصدر (فيتو) لصالحهم ويفعل قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها 242 و 338 الهادفين لوقف إطلاق النار ولإنهاء الاحتلال، وفي المسألة السورية وبعد خروج المجتمع السوري من صناديق الاقتراع هذا العام 2014 بنعم للأسد واستمرار القتال بنفس الوقت من جهة أخرى، وفشل مؤتمر جنيف 2 المرتكز على جنيف 1 وتراجع صورة العرب الممزقة أصلاً أصبح الأمر يتطلب أكثر فتح قنوات الحوار مع موسكو وبكين ولندن وباريس وطهران وبرلين وغيرهم ومن أقطاب العالم لتثبيت طاولة الحوار بين سلطة دمشق والمعارضة الوطنية بشكل يحفظ وحدة التراب السوري وفق معاهدة سلام عادلة.
يقلقنا انفلات الوضع الأمني في العراق من عقاله، وما كنا نطمح أن نراه هكذا بعد حقبة الشهيد صدام حسين، وفي كل مرة نستذكر الماضي القريب رغم ولوجه بالأخطاء الاستراتيجية مع دول الجوار مثل الكويت وإيران والإزعاج الصوتي لإسرائيل نحتسب عند الله تلك السنين الآمنة التي عاشها العراق ونستهجن ما حدث لاحقاً من فوضى وخراب ودمار وقتل وتشريد وقسمه دينية مقيتة سنية شيعية وأخرى قومية عراقية لم يسلم منها حتى الأكراد، ونستغرب ما يحدث الآن من مد داعشي وصراع بين الهلالين السني والشيعي وإلتفاف تحالفين حولهما مثل الجيش العراقي المنحل والعشائر السنية والبشمركة من جهة، والحرس الثوري وحزب الله وأمريكا من جهة مقابله، والقاعدة تساوم وتتاجر، ونتفاجئ بعد ظهور الانتخابات البرلمانية العراقية التي من شأنها أن تؤسس لتشكيل حكومة وطنية وبناء دولة عراقية حديثة معاصرة أن يتم سحب الجيش العراقي فجأة من الحدود الأردنية (طريبيل) شرقاً وبإشارة ربما من إيران وإخلاء الميدان لامتداد داعش بإتجاه الأردن في وقت دعى نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي في خطابه الأخير الذي تلى الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية إلى تصعيد محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي دفع بقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة إلى إعادة الانتشار لضمان الأمن والسلامة للمواطن الأردني في وطنه المستقر دوماً، فمن يريد محاربة مشروع سايكس بيكو؟ ومن يريد تقسيم سوريا والعراق وإشعال الحرب الأهلية فيهما؟ داعش أم القاعدة أم أمريكا أم إيران ؟ سؤال يبحث عن إجابة عريضة .