الحديث عن مباريات كأس العالم يتوازى مع الحديث عن تطور الأحداث المفاجئة والمتسارعة في العراق، ويكاد يطغى على الحديث عن أحداث سوريا، التي لم يقل معدل القتلى فيها عن الأيام السابقة، ولم تقل حدة المواجهة المشتعلة في حلب ومثيلاتها من المدن السورية عما كان يجري سابقاً، وربما تجد خبر فوز هولندا على بطل العالم فوق كل الأخبار، أو خبر فوز كوستريكا على ايطاليا العريقة، مما يجعلنا أمام مشهد مختلط من المشاعر والاهتمامات لدى عامة شعوب العالم وخاصة الشرائح الواسعة من الشباب، بما فيها شعوب عالمنا المنكوب.
ارتباط السياسة بالرياضة وثيق وقديم، وهناك قصص طريفة حول اهتمام قادة الحروب العالمية مثل هتلر بالمباريات الرياضية، حيث جعل فوز منتخب بلاده لا يقل أهمية عن فوزها بالمعارك الحربية، من حيث اتصالها بمعنويات شعبه ومساسها بشرف الدولة وتميزها العرقي ورقي عنصرها البشري الذي وضعه في قمة النقاء العرقي من حيث الذكاء والتطور، حيث هدد الفريق الرياضي بالاعدام في حالة الهزيمة، وربما ينطبق هذا على قصص أخرى تأخذ لوناً مشابهاً لوضعها السياسي أو الثوري أو الاستعماري.
هناك مبالغة من بعض النخب السياسية العربية في النظرة الدونية الى مجال الرياضة كلها بوجه عام، وتتحدث بشيء من الاستخفاف حول اهتمامات بعض السياسيين بهذا الموضوع، تشبه مبالغة بعض قطاعات الشباب بالاستغراق فيه على حساب القضايا الوطنية الكبرى وقضايا السياسة والاقتصاد والأكثر أهمية وأثراً في مستقبل البلاد والعباد، ولكن ما أود الاشارة اليه في هذا المجال هو البعد عن التطرف والمبالغة من كل الأطراف، وعدم الإنكار على الشباب الاهتمام بالرياضة إلى حد الاستخفاف والتهكم والسخرية.
لقد كتبت مرة عبارة تهنئة للمنتخب الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة تأهله لكأس آسيا، فحظيت بتعليقات ساخرة من بعض الاصدقاء وبعض الأقرباء أيضاً الى درجة الاتهام، وربط ذلك بنشاطي السياسي والوطني على طريقة الرابط العجيب، ولذلك لا أخفي أني أحمل اهتماماً بقطاع الرياضة وأخبارها، ولا أشعر بالحرج من الاطلاع على بعض القضايا التي تهم قطاعات واسعة من الأجيال، ولا أستطيع أن أخفي سروري بفوز منتخب الجزائر على كوريا الجنوبية، بوصف الجزائر سفير العرب الوحيد في احتفالية كأس العالم.
ما أود الاشارة اليه في هذه الخاطرة، أن الرياضة ليست منفكة عن الحراك الاجتماعي العام، وليست منفكة عن عالم السياسة، ولكن ما نحتاجه أن ننظم هذه الاهتمامات ونرشدها، وأن نجعل من الرياضة وسيلة للتواصل العالمي المتحضر، ووسيلة لصقل مشاعر الشباب، ورفع قدراتهم ومهاراتهم بطريقة متطورة وحضارية، بحيث نجعل من الرياضيين سفراء الى العالم، وتوصيل الرسائل الايجابية بكفاءة، بالاضافة الى استخدام الرياضة من أجل تمتين الروابط الاجتماعية وتعزيز العلاقات داخل المجتمع الواحد، وأن لا تكون سلاحاً قاتلاً يثير الحساسيات الاجتماعية، وتشعل فتيل التعصب والتوتر وتصبح سبباً للفتنة والانقسام.
الرياضة والرياضيون هم جزء من المجتمع، وثمرة من ثمرات منظومة القيم لديه، ويعبرون عن مدى تقدم الشعوب وتأخرها، وكلما كان المجتمع على سوية آدمية عالية، كلما كان ذلك منعكساً على رسالته السامية التي يحملها الفريق الرياضي ومن معه من مسؤولين واداريين وفنيين، ويمكن للفريق الرياضي أن يحمل رسالة الدولة السياسية الى العالم وقضيتها العادلة الى الاعلام العالمي، ونحن بأشد الحاجة الى هذه الوسيلة واستخدامها بنجاح، وليس بطريقة معاكسة كما حدث ويحدث في بعض المرات عندما يدخل عالم الرياضة من لا يحمل رسالة ولا قيمة نبيلة، ولا فكراً ولا ثقافة مما يفقد الرياضة معناها الجميل وقيمها السامية ورسالتها الحضارية.
(الدستور)