الرئيس .. المعلم .. *دلال خالد قطيشات
22-06-2014 12:57 PM
بعدَ انقطاعٍ طويلٍ عن جامعتي " الجامعة الأردنية " ، عدتُ إليها هذه المرة و أنا طالبة دكتوراة تخصص " إدارة تربوية ". هذه الجامعة .. التي بالرغم من اتساع أرضها ؛ و تخرجي منها إلا أنني ما زلت أحفظ مبانيها و أروقتها ..! و حين توجهت نحو أولِ محاضرة لي في مساق الدكتوراة وجدتُ عبارةً عُلِّقَت على باب القاعة : " انتقلت قاعة المحاضرة إلى مبنى الرئاسة " !
الرئاسة ..!!! لماذا في الرئاسة ؟! و عند الوصول .. كانت المفاجأة ! رئيس الجامعة الاردنية الأستاذ الدكتور "اخليف الطراونة" ، هو من يدرسني هذا المَساق ..! أمرٌ غريب، هل حدثَ من قبل ؟! كانت مشاعري مختلطةً بين الدهشة و الفرح .. بين الرهبة و الخوف ! بدأت المحاضرة الأولى ، والثانية ، والثالثة ، وهكذا .. بدأت المناقشات والحوارات ، تعددت المواقف .. حتى أصبحَ كُلّنا يعي تماماً من هو الرئيس ! وكيف يتعامل ! خلال تلك الساعات تعلّمنا جميعاً معنى الالتزام ، الاحترام ، الدقة، والكثير الكثير .
كان أستاذنا يسافر ويعتذر عن بعضِ المحاضرات نظراً لكثرة انشغالاته، إلا أنّ كل الأمور كانت تسير على أفضل حال وكأنه موجودٌ بيننا ، و على قلّة عدد اللقاءات التي جمعتنا به ، إلّا أنها كانت كافيةً و أكثر على غرس الكثير في نفوسنا ..! حتى عشنا معاً أجمل اللحظات التي تجسّد فيها العمل الجماعي و روح الفريق الواحد .
كانت ابتسامةُ الأستاذ ضوءاً أخضر ، بأنّ الفرح مسموح بهِ هذه اللحظة ! حتى تتعالى أصوات ضحكاتنا و تملأ المكان ، و بالمقابل كان بريق الجدّ في عينيه ضوءاً أحمر أن الموضوع مهم ، وعلى الجميع أن يتيقّظ و أنه ليس هناك أي متسعٍ لغير الجدّية ، فيلتزم الجميع .. لكلِّ أمرٍ وقته و حقُه ..! أصبح كل مِنّا يدركُ و بيقينٍ تامٍ ، كيف وصل الرئيس إلى منصبه ، و أنّ الأمر لم يكن مرتبطاً بالتشريف و رفعة المكانة ، وأن هذا المكان لم يكن إلّا حقاً له .. و أنهُ هو أهلُه .. !
انتهى الفصل .. ستنتهي علاقتنا بالأستاذ حتماً ،! إلا أنّ هذا لم يحصل ! واستمرت علاقتنا بالأستاذ المربي ! الأستاذ المشارك والذي رغم كل انشغالاته ، لم يتردد لحظةً بالموافقة عندما طلبتُ منهُ أن يشرّفنا بحضور حفلِ أوائل الثانوية العامة لستِّ مدارس في منطقة عمان الشرقية في منطقة الأشرفية ..! و كانت كلماته الأبوية لبناته الأوائل ، عفويةً ، لطيفة ، ذات معنى و أثر لا يعلقُ إلا في مقرِّ الأذهان والقلوب ..!
عشنا مع الأستاذ ما يقارب الأربعة أشهر، علّمَنا خلالها أن كونك أستاذاً دكتوراً ؛ و أنّ تحمُلكَ لمنصبِ الرئيس للجامعة الأم في الأردن ، لا يعني إلّا أن تكون أستاذاً إنساناً ، متواضعاً ، مربّياً صادقاً ..! علّمَنا .. أستاذي الفاضل ، أنّ القيمة الحقيقة للأفراد لا تُقاسُ بطولِ المدة التي عرفناهم بها ، إلّا أنّها تتعدى ذلك إلى مقدار ما نكتسبه و نتعلمه خلالها ، إلّا بمقدار ما يمدّوننا به من جزيل عطائهم ، و كرم أعمالهم ..
للأمة و الوطن. لم تَتَعدّ معرفتنا بالأستاذ أربعةَ أشهر ، إلى أنها امتدت لتكون أجيالاً من المعرفة اللامحدودة ، و التي ستظلُّ حيّةً في كل طالبٍ مِنّا يحملها ويتذكرها ويعيش بها كلّما احتاجها . حفظكَ الله أستاذي .. و أدامكَ ذُخراً و حِرزاً لأردنّنا الغالي ، يمُدّنا و نَمُدُّه ..!