أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، أن الأسبوع الأخير من شعبان سيكون أسبوعًا سنويًا للمساجد، بحيث يستغل هذا الأسبوع لتنظيف المساجد وإصلاحها وتهيئتها لاستقبال شهر رمضان الذي تشهد فيه المساجد اكتظاظًا بروادها. وهذه سنّة حسنة تسنها وزارة الأوقاف ابتداءً من هذا العام، تحيي من خلالها معانِي أساسية من معاني الإسلام العظيم، فالنظافة أصل من أصول الإسلام، وهي شرط أساسٌ من شروط العبادات الإسلامية كلها، فالدخول في الإسلام يتطلب طهارة أول خطواتها المادية الغسل، أي نظافة البدن كمقدمة للطهارة والنظافة المعنوية للإنسان وهذا إعلان لكل مسلم، أو لكل راغب في دخول الإسلام، بأن النظافة ببعديها المادي والمعنوي، يجب ان تكون عنوانه في كل لحظة من لحظات حياته، وفي كل ممارسة من ممارسات هذه الحياة.
وكما الدخول في الإسلام، فإن الصلاة وهي العبادة اليومية للمسلم شرطها ومدخلها الوضوء، الذي يكرره المرء أكثر من مرة في اليوم الواحد. والوضوء يعني النظافة البدنية الدائمة.. ومثل الصلاة كذلك الصوم والحج، كلاهما يحتاجان إلى طهارة البدن التي تعني النظافة، ومع نظافة البدن كذلك نظافة وجمال المظهر.
فإذا كانت النظافة وحُسن المظهر وجماله شرطًا من شروط الإسلام وأداء عباداته، فإن من حقنا أن نتساءل: من أين جاء هذا البؤس وهذه الرثاثة في مظهر بعض العاملين للإسلام، وبعض الذين يطلقون على أنفسهم لقب دعاة؟ من هؤلاء الذين يزيدون على رثاثة الملبس عبوس الوجه، مع أن رسول الله لم يُرَ إلا مبتسمًا؟ بالإضافة إلى انه عليه الصلاة والسلام كان شديد النظافة، ولم يكن يلبس من الثياب إلا أجملها وأكثرها أناقة بمقاييس عصره.
مثلما كان عليه السلام محبًا للزينة، شديد الاهتمام بشعره وبعطره. لذلك كان يعرف بحسن الرائحة وطيبها. وهذا معنى من معاني السيرة النبوية لا بد من إحيائِه وترسيخه.. مؤكدين على ان الفقر وقلة ذات اليد ليست سببًا لرثاثة المظهر وفقدان النظافة، فكلاهما-النظافة والأناقة-سلوك يجسد مفهومًا وقيمةً لا ترتبط بالقدرة المالية، والأدلة على ذلك كثيرة في حياتنا اليومية.. فكثيرون هم الأغنياء الذين يفتقرون إلى النظافة وتغيب عنهم الأناقة، وأكثر منهم الفقراء الذين يظهرون بغاية الأناقة والنظافة رغم قلة ذات يدهم.
ومثلما أن المسلم مأمور بالنظافة وحُسن المظهر فانه مأمور بالمحافظة على نظافة الأماكن، وفي طليعتها المساجد التي أُمرنا بأن نأخذ زينتنا عند الذهاب إليها لقوله تعالى:»خذوا زينتكم عند كل مسجد» لذلك فإن أسبوع المساجد يجب ان ينبهنا إلى الواقع السيئ للكثير من مساجدنا، والذي يعكس سلوكًا سيئًا منا، ويدلل على عدم فهم الكثيرين منا لروح الإسلام.
فالعبادة في الإسلام ليست مجرد طقوس تؤدى، ولكنها قيم يجب ان يجسّدها المسلم في سلوكه؛ ومن ذلك ان يحافظ على نظافته وعلى نظافة بيئته وكل مكونات هذه البيئة وأولها المسجد، وكثيرة هي الآيات والأحاديث التي تحث على نظافة البيئة، والحفاظ عليها.
منها قوله عليه السلام:» إماطتك الأذى عن الطريق صدقة» فلماذا يتناقض سلوك بعض المسلمين في بلادنا مع توجيهات دينهم في هذه القضية، فيحولون حتى ساحات المساجد ومداخلها إلى مكرهةٍ بيئية، مما يتنافى مع أبسط تعاليم الإسلام الحنيف، التي تجسدها نظافة المساجد في الكثير من ديار الإسلام، على عكس ما يجري في الكثير من مساجد بلادنا التي آن الأوان للاهتمام بها مبنى ومعنى؟ وهو ما نرجو ان يوفق إليه أسبوع المساجد الذي أعلنت عنه وزارة الأوقاف.
وذكر المعنى في مجال الاهتمام بالمساجد يقودنا إلى أهمية الاعتناء بالعاملين في المساجد. فهل يعقل ان يبني أحدهم مسجدًا بمئات الآلاف من الدنانير أو يزيد، ثم يحجم عن بناء مسكن لإمام المسجد ولمؤذنه، على مشقة مهمة كل منهما مما يتطلب منا توفير كل سُبل الراحة التي من شأنها مساعدتهما على أداء واجبهما في دعوة الناس إلى سبيل الرشاد؟ لذلك فإننا نتوجه إلى وزارة الأوقاف ومن خلالها إلى أمانة عمان، وكل البلديات بطلب الامتناع عن ترخيص بناء أي مسجد ما لم يشتمل على مسكنين: أحدهما للإمام والآخر للمؤذن.
إن الاهتمام بالعاملين في المساجد ورفع سويتهم العلمية والفكرية هو جزء أساس من الاهتمام بمستقبل الأمة وفكرها وحضارتها، ويجب ان يكون هدفًا رئيسًا من أهداف أسبوع المساجد. فبدون الواعظ المؤهل الكفؤ، يفقد المسجد جزءًا كبيرًا من رسالته. خاصة إذا تولى أمر المساجد.. من هو غير كفؤ. علمًا بأن الواعظ من أكثر العوامل المؤثرة في فكر الناس وبناء قناعاتهم، ومن ثم سلوكهم، من هنا تأتي أهمية تأهيل الوعاظ ورفع سويتهم الفكرية والثقافية، ومن ثم توفير الحياة الكريمة التي تتيح لهم التفرغ للعمل ولتعليم الناس صحيح دينهم، مما يحميهم من الوقوع أسرى التطرّف والتعصب، والوقوع فريسة لهذا التنظيم أو ذاك.
وهذا لن يكون إلا إذا تكاتفنا جميعًا لنعطي لدور المسجد في حياتنا معناه ومبناه، ليس خلال أسبوع المساجد فقط، بل وعلى مدار العام. فهل نحن فاعلون؟.
(الرأي)