بصراحة أجد نفسي منشرحا لما تابعته خلال أيام مضت حينما نرى دوريات الأمن العام تتفقد الشوارع العامة بعد ساعات الغروب، وحينما تنتشر عبر الطرقات لرصد المخالفات الأخلاقية التي باتت واضحة بشكل معيب، ولعل هناك مثلبا على الإجراءات عند نقاط التفتيش أتخيلها فردية بناء على شكاوى تردنا ورأيتها وهي إيقاف الحافلات والتدقيق على هويات الذكور في الحافلة، ولكن مبضع الجراح حينما يداوى، يدفعنا الى الصبر على وجع ساعة.
قبل أيام قتل شاب بريء بدم بارد لسبب تافه، وهذه قد لا تكون المرة الأخيرة كما أنها ليست الأولى ولكن لا يمكن مع اجتماع الأسباب كلها أن يتم إعطاء مبرر لقتل شاب في مقتبل العمر أو فتاة لمجرد الشك في سلوكها أو رجل اختلف مع آخر على حسابات مالية، ووسط هذه المصائب كلها تجد أهل العنتريات الصبيانية يطلقون نوادرهم، وأقلها جملة بائسة «رأس مالك فنجان قهوة»، يا إلهي كم هو الكلام رخيص وكم هو الثمن غال جدا.
إن الجهل الاجتماعي والسياسي والنرجسية باتت فيروسا ينتشر بين طبقات المجتمع دون تفرقة، إنه وباء يجتاح الأجيال التي تقهقرت أخلاقها، ولم تعد تعي معنى كلامها ولا مقاصد جملها، ولأن رمينا بالإتهام على التربية والبيت والمدرسة، فإن الشارع أصبح أكثر مسؤولية لإعادة صياغة فكر النشء على أسس متخلفة، فالبطولات باتت على أرصفة الشوارع وفي المقاهي والنوادي، لهذا لا نستغربها في الجامعات ومجالس النواب، لقد بتنا كالطواويس وتعودنا على النفاق وغض الطرف عن الموبقات ولا نتحمل مسؤولية درء المفاسد أو التحريض على الآخر لأسباب طبقية مالية أو سياسية في مجتمع لا تنقصه الكراهية المجانية.
ولأن الأسئلة باتت تجرنا الى اسئلة أكبر وأصعب فإني أطرح العنوان سؤالا يبحث عن جواب وهو هل نستطيع إعادة تأهيل المجتمع الذي نتفاخر بأنه «نشمي»، فالوطن ليس ساحة حرب بل ساحة حب، فكيف يتصف طالب الحب بوحشية المحارب، وأكاد أجزم أن المفارقة كبيرة جدا في مجتمعنا المدني المتحضر، فنجد أن المحاربين العسكر يمثلون حالة فريدة من التميز والإنضباطية والرجولة، فيما نشكو في المجتمع المدني من الجريمة والفساد، وإن تجاوز شرطي غاضب على أحدهم بإهانة أو ركلة صاحت ديكة المنظمات غير المنظمة، ليس حبا بالعدالة ولكن رجاء لدجاجهم أن يبيض.
هنا يأتي دور التأهيل القسري، فمنذ أن توقف العمل بتنفيذ عقوبة الإعدام وتخفيف العقوبات ضاع أدب الصبيان وظهر جيل الغلمان، واعتلى البعض مقاعدا ليست لهم ولا يستحقون أن يقفوا على أعتابها، وهذا كله بسبب جهل مجتمعي وجاهلية أصابتنا وتخلف إستعراضي يسود القيادات الشعبية التي تستغل سذاجة أبناء العائلة والعشيرة والحي والمدينة، كي يمتطوا ظهورهم للوصول الى غاياتهم في مواسم الإنتخابات أو فيما مضى من ربيع الإضرابات والتمرد على الطبيعة المسالمة لمجتمعنا، فـُيستسهل قتل إنسان بريء حرمته عند الله أشدّ من حرّمة بيته الحرام، وتتكفن العائلة بثوب الكراهة والكراهية.
من هنا وليس من باب الترويج للعنف الرسمي أو التطاول على المواطن، ولكننا بتنا بأمس الحاجة الى فرض السيطرة على الشارع دون تفريق بين جماعة وأخرى أو بين شيخ وراع، ووزير وفقير، فحتى نواجه الجريمة بأنواعها علينا كمجتمع مدني إعادة ترتيب أولوياتنا وعلى رأسها إعادة تأهيل المجتمع الشبابي وإصلاح التربية الإجتماعية، وإعادة «دوزان» عقول الناس بواسطة العقوبات الرادعة لتعديل المزاج العام، وتنظيم عملية التعامل مع الآخرين واحترام الآخر واحترام ثقافة الإختلاف دون تغليب مبدأ الخلاف.
نعلم أن مواطننا بات بائسا يائسا محبطا جراء الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية ويرزح تحت ضغط نفسي لتلبية احتياجات عائلته، ولكن أصبحنا نخشى على مستقبل أولادنا أكثر من أي وقت مضى تلبسه، فبات لزاما علينا المطالبة بإعادة النظر في التشريعات دون الخضوع للإملاءات وتطبيق العقوبات التي تحمي المجتمع من نفسه وعلى الجميع لنصدق أننا مجتمعا متساو، وإلا فلن ينفعنا الترويج لزرع الابتسامة على وجوه الناس الواجمة لنعيد برمجتها.
(الرأي)