على كتف الهضبة الممتدة من نهر الزرقاء جنوباً إلى أطراف سهول حوران تقع بلدة «كفرخل» المتوغلة قليلاً عبر الجبال ترقب عن قرب من بين غابات السنديان وأشجار الصنوبر الطريق الدولي القادم من الجنوب الى الشمال حيث الحدود السورية، تعمرها مجموعة قبائل عريقة تتغرس في المكان منذ القدم، تنتمي الى أردن أبي عبيدة وشرحبيل بن حسنة، انتماءً أصيلاً، مجبولاً بالروح العروبية العميقة، التي تجعلهم منشغلين بما يجري في سوريا وبما يجري في العراق الى درجة القلق والحدة في الخطاب.
تشرفت بدعوة كريمة من نادي كفرخل ، للحديث حول الشأن السياسي، ومن أجل تقديم قراءة في آخر تطورات المشهد الاقليمي المتسارعة التي تتسم بالضبابية والمفاجئة لمختلف الأوساط والأطراف السياسية ذات العلاقة بالشأن الإقليمي، وقد وجدت ثلة من شباب كفرخل وبعض شخصياتها المثقفة، اهتماماً بالغاً بتطورات الأحداث على مختلف الساحات العربية.
بلدة كفرخل مثل كل البلدات الأردنية، التي تعيش على لهيب الأحداث الساخنة التي تلفح وجوهنا ليلاً ونهاراً، ويعيش اهلها بين ضغوط الحياة، وهم لقمة العيش والسعي من أجل تأمين رزق العيال وتدريسهم وتأمين أقساطهم الجامعية، وبين هم متابعة الاقتتال الدائر في المدن السورية وحوادث القتل وسيل الدماء الذي لا يتوقف في حلب وحمص ودرعا وريف دمشق، ليأتي هم جديد يشير الى تفجر الاقتتال الدامي في الموصل وبغداد وتل اعفر وغيرها من المدن العراقية، التي تعيش الانقسام المذهبي الحاد، والصراع العرقي المدمّر، الذي حول العراق من قلعة عروبية حصينة الى دولة ضعيفة مفككة هزيلة لا تقوى على الصمود أمام جحافل الغزاة من كل حدب وصوب.
حاولت أن أقدم قراءة للمشهد العربي الذي تجري فصوله في سوريا والعراق ومختلف الأقطار العربية، التي ما زالت تعيش محكومة بعقلية الشرذمة والانقسام، والثقافة المغلوطة والمفاهيم المقلوبة لمعاني الدين والتدين والسلطة والسياسة، ومازالت غير قادرة على تفهم مضمون الاختلاف الحتمي في العقائد والمذاهب، ومضامين التباين السياسي والفكري، وما زلنا جميعاً غير قادرين على ادارة التعددية الحزبية والسياسية والفكرية والدينية والعرقية التي لا يخلو منها مجتمع بشري في الأرض والتي يعدها الحكماء والعقلاء ثروة مجتمعية وعاملاً من عوامل القوة، وليست من عوامل الضعف، وليست سبباً في الخصومة والانقسام.
كان التفاعل من الحضور مع الأفكار المطروحة تفاعلاً كبيراً وساخناً، وأرادوا جميعاً تقديم مداخلات وتساؤلات وتعليقات، بعضها معارض وبعضها يحمل معنى احتجاجياً مشوباً بالحدة، يطالب بمزيد من التفاعل مع تفاصيل الحدث العراقي.
ما يلفت الانتباه في هذا الحوار أنه يعكس صورة المجتمع الأردني الذي تعرض لجملة من التطورات المذهلة على صعيد التعليم والثقافة والوعي، حيث أخبرني بعض الشباب بأن بلدة كفرخل مقبلة على التعليم بنهم، وفيها عدد وافر من حملة شهادة الدكتوراة في تخصصات كثيرة، ومنها التاريخ والعلوم السياسية وميادين أخرى، أما عن حملة الشهادات الجامعية فحدث ولا حرج، حيث يضطر بعض الأهالي لبيع الأرض من أجل التعلم والتعليم، وقد تفاجأت عندما علمت أن بعض رجالات كفرخل من جيل التأسيس والريادة في الحركة الإسلامية، حيث أن بعضهم دخل في جماعة الاخوان المسلمين منذ الخمسينيات عندما كان يتعلم في مدارس القدس، وبعضهم الآخر في أحزاب البعث ومن حملة الفكر القومي كذلك.
أهل «كفرخل» جزء من الشعب الأردني العربي الاسلامي الأصيل، الذي يحب الأردن ويعشق الأرض والتراب، ويهيم حباً في ربوعها ومستعد لتقديم روحه رخيصة في سبيل الدفاع عنها، وهو في الوقت نفسه يحمل انتماءً عروبياً متأججاً، وشوقاً عارماً لكل أقطار العرب، ويحمل ألماً مبرحاً على ما يجري في دول الجوار، وهو أيضاً يمزج ذلك بالانتماء العميق للاسلام العظيم، بوصفه ديناً وعقيدة، وبوصفه إطاراً حضارياً للأمة كلها، ومصدر ثقافتها وهويتها وعزتها، ويضيف الى كل ذلك طيب الأعراق ونقاء الفطرة وكرم الضيافة، وحسن الاستقبال، وفيض من الكرامة والشجاعة والمروءة والنخوة العربية الأصيلة والمتميزة التي تصلح للاستثمار في بناء النهضة الأردنية الحديثة.
(الدستور)