الإعلام الروسي والاقتتال الأوكراني
د.حسام العتوم
21-06-2014 03:34 PM
منذ وصول التيار البنديري الأوكراني برئاسة بيترو باراشينكا للسلطة في كييف وهو الذي سبق له أن خرج من رحم نظام يونوكوفيج السابق المنهار والهارب تجاه موسكو بحكم الصداقة معها و الاقتتال الدامي يدور شرقاً وجنوباً من جهة الغرب وتحديداً بين جيش النظام الأوكراني الجديد الهادف لمد سلطاته على كل الأراضي الأوكرانية ورفض تقسيمها أو تحويلها إلى حكم ذاتي وبين مقاتلين متطوعين مدافعين عن سكان الجانب الشرقي والجنوبي وعن حضور اللغة الروسية الشعبية إلى جانب الأوكرانية الرسمية وهم في الاصل مدنيين، ومع شروق كل شمس تسجل أوكرانيا أعداداً من القتلى والجرحى، والمشردين تجاه الفدرالية الروسية، وما يجري هناك هو أوكراني داخلي وليس روسي أوكراني كما يشاع إعلامياً، ومع هذا وذاك لازال الغرب ومعه أمريكا يراهنون على إمكانية جر روسيا لحرب مع أوكرانيا تنتهي بفرض عقوبات اقتصادية قاسية ضدها لكن روسيا أصبحت تعي ذلك وتتعامل مع الحدث الأوكراني برمته بواسطة القانون الدولي وعبر أوراق الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودستورها، وعبر سياسة الخطوة خطوة، والغرب نفسه يضغط باتجاه فرض السلطة الأوكرانية بالقوة مقابل إغراءات مالية طويلة المدى.
من يتابع الإعلام الروسي المطبوع والمسموع والمتلفز المحمول على الفضاء مثل (روسيا اليوم) بالعربية، والقناة رقم 1 و RTR وروسيا 24 ساعة وغيرها يلاحظ وجود كاريدور سياسي مفتوح بين الرئيس بوتين وباراشينكا للإبقاء على الحوار بين موسكو وكييف، ويرصد وعود من قبل رئيس أوكرانيا بالعمل وفق خطة ميدانية لوقف القتال شرقاً والذي هو غير مقبول بكل تأكيد ولا على أي مستوى، وإرهاب بسطاء الناس ودب الرعب وسطهم وتشريدهم إلى داخل روسيا أمر مرفوض من الجانب الأوكراني الذي نتوخى فيه العقلانية والوسطية والاعتدال، والسلطة تترسخ وتنتشر عبر الحوار وصناديق الاقتراع وليس عبر القنص وإشعال النيران وتدمير البيوت وإغلاق الشوارع، والأخطر من ذلك وهو المرفوض أيضاً هو قتل وتكرار قتل الصحفيين العاملين وسط أرض النزاع الدموي أو خطفهم سواء أكانوا روساً أم أجانب، فلقد أكدت وزارة الخارجية في روما أن المصور الصحفي الإيطالي أندريا رونشلي قتل بالقرب من مدينة سلوفيانسك شرق أوكرانيا، وذكرت وكالة (أنسا) الإيطالية في وقت سابق مقتل مترجمه رونشيلي المولود في روسيا وحامل جواز السفر الإيطالي، وتبع ذلك مقتل المراسلين الصحفيين الروسيين من قناة النجمة الفضائية Zvezda أنتون قولشينا وإيقور كورنيلوكا، وسجلت أوكرانيا أكثر من حادثة خطف لصحفيين روس أيضاً عمل في إحداهما الرئيس الشيشاني رمضان أحمد قديروف على تحريرهما من الأسر بعد تكليفه مباشرة من الرئيس بوتين بذلك.
الوضع في أوكرانيا يختلف عن أي منطقة ساخنة وملتبهة على خارطة الأرض بالنسبة لروسيا، فالنظام الأوكراني الجديد بكامل تياره البنديري الذي صنفته موسكو بالفاشي ومن نتائج الحرب العالمية الثانية 1940-1945 معادي لروسيا وغير منسجم معها ومستفز لها ومسألة الاعتداء على سفارة روسيا في كييف وقنص الصحفيين الروس واختطافهم والاعتداء على ناسهم شرقاًَ وتهجيرهم إلى العمق الروسي وبالآلاف خير شاهد، فأوكرانيا ليست سوريا ولا العراق ولا أفغانستان فهي دولة جارة وذات تاريخ مشترك إبان الحقبة السوفيتية وبعدها، لكن الرغبة الأوكرانية الرسمية المسنودة من التيار البنديري الغربي بالمفهوم الأوكراني ووفق سياسة الغرب بالتوجه غرباً وتجاه أمريكا والناتو والاتحاد الأوروبي وإدارة الظهر لروسيا بنفس الوقت وللغة الروسية أيضاً وعدم موافقة روسيا على هكذا توجه رغم أن أوكرانيا دولة مستقلة وعضو كامل في الأمم المتحدة ولد حقداً من جانب أوكرانيا وخاصة من قبل أفراد الجيش الأوكراني وأصبح المراسل الصحفي الروسي تحديداً هدفاً للقنص بهدف القتل وهو الأمر الذي يتطلب معه أن تعيد موسكو حساباتها في موضوع إرسال الصحفيين والبحث عن بدائل جديدة مثل الاعتماد على المواطن الأوكراني المتحدث بالروسية والموضوع غير المنحاز لأي جهة في داخل الصراع الأوكراني، واعتماد تثبيت كاميرات Zoom ثابتة ً في كل ميادين القتال شرقاً وجنوباً وفي أي نقطة ساخنة، والتعاون إن أمكن مع صحفيين أوكران محايدين لديهم جاهزية العمل بموضوعية خدمة للإعلام الروسي، المحتاج للحقيقة كما هي، وخدمة للرأي العام العالمي المتابع للإعلام الروسي بلغات مختلفة .
من خلال خبرتي في ميدان المراسلات الصحفية حيث عملت لفترة زمنية محددة مراسلاً صحفياً نهاية الحرب الإيرانية العراقية عن جريدة الدستور الأردنية عام 1988 إلى جانب صحفيين عالميين وبكامل كاميراتهم الرقمية والمتلفزة كان الجانب العراقي العسكري في وقت حكم الشهيد لاحقاً صدام حسين يسمح لنا بالتحرك والكتابة والتصوير في الوقت المسموح به عسكرياً فقط من أجل أمن الصحفيين أنفسهم، وأثناء تفقد المواقع الأمامية صحفياً في جزر مجنون بالقرب من البصرة جنوباً وفي عمق الأراضي الإيرانية المحاددة كان يطلب منا كصحفيين السير خلف العسكر وليس أمامهم لتفادي التفاجؤ بألغام مزروعة يصعب حسبة نتائجها ، وأردنياً مثلاً أعرف بأن الإعلام الأردني ومنه وكالة الأنباء (بترا) يعتمد على أعمال مراسلين صحفيين من نفس المناطق الساخنة المجاورة لنا ولا يجازف بإرسال صحفيين أردنيين إلى هناك بعد الإستفادة من أخطاء سابقة حدثت خاصة قبيل اجتياح العراق من قبل حلف الناتو عام 2003 والتي نجمت عن استشهاد الصحفي الأردني طارق أيوب رحمه الله.
لا يجوز السماح للصحفي الروسي من وجهة نظري ومن قبل موسكو التي ترسله إلى أوكرانيا الآن أن يتحرك ويصور في قلب النار وهي تعرف بأنه مستهدف لمجرد أنه يحمل شعار T.V لمحطة فضائية روسية، وبأن الاعتقاد الروسي أن أوكرانيا تريد إخافة صحفييها فقط ومعها روسيا غير دقيق ولا شجاعة بالدفع بالصحفي إلى وسط أتون لهيب النار دون حماية عسكرية وأمنية يتفق عليها مسبقاً وحتى لو كان محمياً من قبل نقابتها للصحفيين، وأخيراً أتمنى لأوكرانيا البلد الصديق للأردن الاستقرار، وللعلاقات الروسية الأوكرانية مزيداً من التقدم والازدهار والتوازن، وأصبح مطلوباً من أوكرانيا أن تأخذ بعين الاعتبار الحسابات الروسية الاستراتيجية أثناء شروعها بالتعامل مع الغرب وخاصة في موضوع التحالف مع الناتو، والاستفادة من تصريح الرئيس البيلاروسي لوكاشينكا الذي أكد فيه مؤخراً بأن حاضر ومستقبل بلاده مرتبط مع الفدرالية الروسية.