مجازرغزة والرد المطلوب ..
مالك نصراوين
04-03-2008 02:00 AM
شهد الاردن في الايام الماضية وما زال ، العديد من المسيرات الشعبية ، استنكارا للمجازر الاسرائيلية في غزة ، والتي راح ضحيتها الابرياء من اطفال ونساء وشيوخ ، هذه المجازر التي لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة ، مارستها اسرائيل في كل الظروف ، وحتى عندما كانت الامة العربية اكثر تماسكا مما هي عليه اليوم ، واكثر قوة وقدرة على التصدي ، وكانت تلك الممارسات قمة التحدي لارادة الامة العربية وكرامتها ، ومع ذلك لم تلقى اسرائيل الرد العربي الجماعي المناسب على جرائمها .ان المتابع للشعارات التي ترفع في المسيرات ، ولمختلف ردود الفعل الشعبية ، التي تطلقها قوى الشعب من احزاب ونقابات ونواب ، يجد انها تركز على مطلب واحد ، اصبح في تنفيذه الحل السحري لقضية الصراع مع اسرائيل ، والذي عجزت الامة العربية كلها ، وبمختلف قواها وامكانياتها ، وعلى مدار الستين عاما من تاريخ الصراع ، عن ايجاد حل لها ان حربا او سلما ، هذا المطلب يتمثل في دعوة الحكومة الاردنية لطرد السفير الاسرائيلي من عمان ، والغاء اتفاقية وادي عربة ، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل ، دون ادنى تساؤل ، وماذا بعد ذلك ؟ وكأن هذه الاتفاقية وما ترتب عنها ، هي من شجع اسرائيل على ارتكاب مجازرها البشعة ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني ، وهي التي ارتكبت ابشع من هذه المجازر قبل اتفاقية وادي عربة بكثير .
ان مثل هذا المطلب ، فيه اسقاط للمسؤولية القومية العربية على الاردن ، وتحميله اكبر من طاقته ، فبعد ذلك ستتوالى المطالب ، تمشيا مع شعار ، الاردن ارض الحشد والرباط ، فاذا كانت الامة العربية كاملة لم تستطع التصدي الحازم لهذه الغطرسة الاسرائيلية المستمرة ، ولم تستطع حتى الان استرداد حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، بتحرير ارضه ، واقامة دولته الفلسطينية المستقلة ، واضطرت الى التوجه للحل السلمي ، بعد نكسة حزيران عام 1967 والقبول بمبادرة روجرز عام 1969 ، فكيف يطلب من الاردن العودة الى المربع الاول ، ويقوم بما عجزت الامة العربية كاملة عن تحقيقه في مراحل سابقة ، فقد كان اولى بهولاء الذين اتخذوا من اتفاقية وادي عربة مشجبا لتعليق مآسي الامة العربية عليه ، ان يطالبوا اولا بالوحدة الوطنية الفلسطينية ، وبتراجع حركة حماس عن انقلابها على السلطة الفلسطينية ، والاعتذار عما ارتكبته من اعمال قتل ضد اعضاء فتح ، والاولى ايضا المطالبة بالغاء الاتفاقيتين اللتين سبقتا اتفاقية وادي عربة ، وهما اتفاقية كامب ديفيد مع مصر ، واتفاقية اوسلو مع الفلسطينيين ، ومطالبة الامة العربية كاملة ، بالعودة الى ممارسة دورها تجاه القضية الفلسطينية ، باعتبارها قضية قومية عربية .
في ظل هذا الضعف والتمزق العربي ، وهذه المآسي القومية التي تعيشها اقطار العروبة ، من المحيط الهادر الى الخليج الثائر ، في فلسطين حيث صراع شعبها الابي مع عدو شرس ، يقف فيه شعب أعزل ، في مواجهة آلة القتل والتدمير الاسرائيلية ، المعززة بقوة ذاتية اسرائيلية لا يستهان بها ، وبقوة الدولة العظمى الاولى في العالم ، وفي ظل تمزق فلسطيني ، وصل الى حد المواجهة المسلحة ، وفي ظل احتلال العراق ، وتهديد سوريا وحصارها ، والوضع الداخلي في لبنان حيث شبح الحرب الاهلية ، الى الفتن في اليمن ، والنزيف المتواصل في الجزائر ، وازمات السودان ، والخلافات العربية – العربية العديدة ، ماذا عسى الاردن ان يفعل اكثر من العمل الدبلوماسي الفاعل ، وتقديم العون لاهل غزة ، وعلاج الجرحى والمصابين ، ودعم صمود الاشقاء في الضفة والقطاع ، والتواصل مع فلسطينيي الداخل ، وكل ذلك لم يتم الا في ظل اتفاقية وادي عربة ، التي يراد الغائها ، اضافة الى نشاط الدبلوماسية الاردنية الفاعل ، دعما للشعب الفلسطيني في كل المحافل ، فلماذا يسعى البعض الى دفع الاردن الى المصير المجهول ، وماذا عسى الاردن ان يفعل خارج هذا الاطار ؟ هل مطلوب منه ان يتبنى شعار حرب التحرير الشعبية طويلة الامد ، ويحول عمان الى هانوي العرب ، ويتحول كل هذا البناء التي امتد وتعزز منذ عشرات السنين الى اطلال ، ويتحول اهل الاردن الى لاجئين ونازحين ، لا سمح الله ، دون ذرة أمل في تحقيق أي هدف ايجابي .
في ظل هذا الانحدار العربي ، ليس امام الفلسطينيين والعرب ، الا الوسائل السياسية والنضال السلمي، لتحقيق الهف الاكبر للشعب الفلسطيني ، وهو استكمال بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ، بما يتوفر من دعم الاشقاء والاصدقاء ، اما النكوص عن الحل السياسي في ظل الظروف الراهنة ، والغاء ما تم من اتفاقيات ، فهو الانتحار المؤكد .
m_nasrawin@yahoo.com