اسبوع كامل انقضى على اختفاء طلاب المعهد الديني الثلاثة عند مفترق الكتلة الاستيطانية المسماة «غوش عتصيون» في منطقة الخليل الفلسطينية المحتلة، وما تزال حكومة نتنياهو وجيشها واجهزتها الاستخبارية وقوات النخبة في شرطتها وألويتها القتالية، عاجزة عن حل هذا «اللغز» الذي لم يغادر مربع الاتهام بأنهم قد أختُطفوا وأن المسؤولة عن اختطافهم خلية «محترفة» من حركة حماس، وهنا يستطرد الاسرائيليون–حتى لا يقعوا في فخ امكانية ان تكون للقضية أبعاد جنائية محضة -، بأن هذه الخلية قد عملت على عاتقها وليس بالضرورة انها تلقت أمر تنفيذ من مستويات حمساوية أعلى، سواء في الضفة الغربية (حيث بدأت عملية إعادة إحياء خلايا حماس بعد الضربات التي تلقتها طوال السنوات السبع الماضية، سواء على يد السلطة الفلسطينية وبخاصة بعد انقلاب حماس على السلطة في العام 2007، أم على يد اجهزة وقوات جيش الاحتلال)..
الارتباك الواضح والتوتر الآخذ في التصاعد الذي يستبد بنتنياهو، وخصوصاً الاحزاب اليمينية المتطرفة المشاركة في الائتلاف الحكومي وعلى رأسها حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينين، يعكس حجم الفشل الذي «حصدته» اكثر الحكومات اليمينية في تاريخ اسرائيل، وهو ما يتبدى أيضاً في الخطوات الانفعالية وغير المرتكزة الى أي سند قانوني او حتى معلومات محددة، يمكن ان يبرر كل هذا البطش والتنكيل والعربدة التي تتصرف بها قوات الاحتلال ازاء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، فضلاً عن حملة الاعتقالات العشوائية التي تطال كل كوادر وقيادات الصفوف الاولى كما الثانوية لحركة حماس بالضفة الغربية بما في ذلك اعتقال اكثر من خمسين أسيراً محرراً بحجة البحث عن اي «معلومة» يمكن ان يوفرها هؤلاء ، تقود بالتالي الى معرفة الخلية التي وقفت خلف ما بات يوصف في اسرائيل «علناً» بأنه عملية اختطاف، اضافة الى استثمار ما تبقى من وقت لإنقاذ المستوطنين الثلاثة، بعد ان بدأت الآمال بوجودهم على قيد الحياة.. تتتراجع.
ما يلفت الانتباه ايضاً في هذه الهتسيريا الاسرائيلية التي وصلت ذروتها، هو نزول بنيامين نتنياهو عن الشجرة العالية التي صعد اليها فور التأكد من «اختطاف» طلبة المعهد الديني الثلاثة، عندما حمّل السلطة الفلسطينية ورئيسها مسؤولية هذا الاختطاف وتداعياته، استمراراً بالطبع لحال الرفض الاسرائيلي المطلق للمصالحة التي «قيل» انها تمت بين حماس وفتح وقادت الى تشكيل حكومة وحدة وطنية (لا يبدو الآن انها مرشحة للاستمرار بعد ان بدأت حملات التراشق والتشكيك والتخوين بين «رؤوس» الحركتين فضلاً عن تداعيات ازمة رواتب موظفي حماس في غزة وتالياً في انتقاد حماس لتصريحات عباس حول الهدف من عملية الاختطاف وهو تدمير الشعب الفلسطيني كما قال رئيس السلطة).. ما قاد الى ان يهاتف نتنياهو عباس ويطلب منه «المساعدة»..
في الاطار ذاته يبدو نتنياهو وكأنه يريد تحقيق جملة من الاهداف قد «تشفع» له لدى منتقديه في المعسكر اليميني إذا ما آلت عملية الاختطاف (المفترضة حتى الآن) الى نهاية مأساوية، ونقصد تدمير البنى التحتية لحماس في الضفة الغربية وربما لاحقاً «إخراج» حماس كاملاً من مشهد الصراع، عبر عمليات قصف جوي او اجتياح او اغتيالات يستطيع بعدها ان يخرج على الاسرائيليين قائلاً ان حماس قد دفعت غالياً ثمن ارتكاباتها.
أين من هنا؟
من يُتابع وسائل الاعلام الاسرائيلية ويتوقف عند تعليقات محرري الصحف وكتاب الأعمدة ومقالات الرأي، يلحظ في وضوح عدم يقين «كامل» من ان هناك عملية اختطاف، بل هناك من ذهب بعيداً وقال إن على «الشرطة» ان تتحمل المسؤولية بعد ان أضاع مجند الاحتياط المناوب، ثماني ساعات «ثمينة» عندما أهمل معلومة وصلته من احد المختطفين بصوت هامس ومشوش يقول: لقد اختُطفنا ثم اغلق الخط، ولم يكن هناك أي رد فعل من هذا المجند الذي لم يخبر «قادته» بالمعلومة..
ثم... إن هناك من خرج مدافعاً عن جهاز الشرطة قائلاً :ان المسؤولية في هذا الشأن استخبارية (الشاباك) وليست شُرَطية..
فهل تتكشف خيوط هذه «العملية» الاكثر غموضاً في تاريخ عمليات الاختفاء (او الاختطاف إن شئتم)؟ أم انها منحت الفرصة لمزيد من تصفية الحسابات التي ما تزال مفتوحة بين سلطات الاحتلال وحركة حماس أو كل الفصائل الفلسطينية التي ما تزال ترفع شعار الكفاح المسلح؟
الأيام ستقول.
(الرأي)