أصبح أمراً عادياً، وخبراً يومياً، أن نقرأ أو نسمع، وربما نشاهد، قصصاً غريبة؛ فثمّة تفشٍّ كبير للعنف والتمرّد والتنمّر، وانتشار لظواهر خطرة ومقلقة في مجتمعاتنا ومدننا، تؤذن بأنّنا أمام واقع اجتماعي جديد تشكّل عبر الأعوام الماضية، ونما وتراكم، بينما كنّا نغمض عيوننا ونقول: "نحن بخير"؛ فهل نحن كذلك؟!
إذا أردتم عيّنة بسيطة على ما نتحدث عنه، فيمكن رصد بعض القصص خلال الأيام القليلة الماضية فقط. ودعونا نبدأ من الحادثة الأولى، وتتمثّل في الاعتداء بالرصاص الحيّ والضرب على موظفي المياه في الرمثا، من قبل مجموعة ضُبطت تقوم بأعمال حفر مخالف وغير مرخّص للآبار في منطقة الطرّة.
تفاصيل القصة أكثر غرابة؛ إذ تعرّض "الونش" الذي ينقل الحفارة إلى إطلاق رصاص من سيارات على الطريق. وبالطبع، فرّ المرافقون للونش، فيما تعرّض السائق لضرب مبرّح، وتم اقتياد الشاحنة والحفارة من قبل المهاجمين إلى مكان غير معروف!
فيلم "الكاوبوي" الأردني هذا جاء بعد أيام قليلة من تعرّض موظفين آخرين في سلطة المياه، ساعات الفجر، لاعتداء بالرصاص الحيّ، هذه المرة في عمان، من قبل أشخاص تمّ التعرف على هويتهم. وجراح أحد الموظفين تستدعي عملية في الخارج.
في الأثناء، وفي الفترة نفسها، كنا نقرأ خبراً عن تأخير مدير إحدى قاعات امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" توزيع الأوراق احتجاجاً منه، مع زملائه المعلمين، على تكرار حالة الاعتداء عليهم من قبل من يحاولون اقتحام القاعات والتغشيش، من دون الإمساك بالفاعلين من قبل رجال الأمن.
بالضرورة، وبالرغم من إعلان وزارة التربية والتعليم عن 1187 مخالفة في "التوجيهي"، وعن حرمان أعداد كبيرة من الطلبة من الامتحان هذا العام بسبب المخالفات؛ وبالرغم، كذلك، من تكرار محاولات الاعتداء والاقتحام ومخالفة القانون، إلاّ أنّ الحال هذا العام تبقى أفضل من العام السابق بكثير، بفضل إصرار الوزير على إنهاء التراكمات السابقة التي أدت إلى نتائج كارثية، وكانت وبالاً على التعليم والقيم الاجتماعية، بعدما دخل الجامعات آلاف الطلبة غير المؤهلين الذين وصلوا بسبب تلك الفوضى العارمة السابقة.
بالأمس، كنت أستمع أيضاً لصديقي صاحب المقهى (في حيّ خلدا) عن قصة "آكشن" أخرى جرت بجوار المقهى، وعلى مرأى من المواطنين؛ عندما حاول أحد المجرمين سرقة سيارة، لكنه وقع في كمين أمني، فسارع بعد كسر زجاج السيارة إلى إطلاق النار على رجلي الأمن ولاذ بالفرار.
ووفقاً لصديقنا (صاحب المقهى)، فإن ظاهرة كسر زجاج السيارات وسرقة ما فيها أصبحت "ظاهرة عادية"، وقد سرد عدداً من القصص الشبيهة التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، فقط في المنطقة المحيطة بالمقهى، فكم هي الحالات الشبيهة، مثلاً، في مختلف المناطق؟!
هذه الصورة المصغّرة السريعة هي لأحداث وقعت فقط خلال الأيام القليلة الماضية. وبالطبع، يمكن وضعها في سياق الحالة العامة من ظواهر الاعتداء على المعلمين والأطباء وعلى الآبار، وسرقة السيارات، وانتشار المخدرات، والعنف الجامعي والاجتماعي..؛ لنتساءل بعد ذلك: ما هو حجم جهاز الأمن الذي يمكنه التعامل مع هذا المستوى اليومي غير الطبيعي بالنسبة لعدد السكان، ولأي مجتمع في العالم؟! ومهما كانت قدرات جهاز الأمن العام، فمن الواضح أنه لن يستطيع، على المدى البعيد، مواجهة ذلك بصورة مستمرة ودائمة!
أما السؤال الأكثر أهمية، والذي يحتاج إلى إجابة عميقة من الأكاديميين والسياسيين والمثقفين، فهو: لماذا وقعنا في هذا الواقع الرهيب؟! هل هي سياسات الاسترضاء والتراخي في تطبيق القانون سابقاً، أم الشروط الاقتصادية الاجتماعية من بطالة وفقر، أم الشعور بالحرمان وانعدام العدالة؟ فمعرفة الأسباب هي مقدمة التوصيف الصحيح للعلاج.
(الغد)