توجيهي و"جرش" وكأس العالم .. وحياة
جهاد المنسي
18-06-2014 06:44 PM
حل الصيف، وتصاعد الحديث عن تحديات مختلفة، تبدأ بعودة المغتربين، وأزمة الصيف، واختناقات الشوارع، فيما يرتفع منسوب القلق الدائم من انقطاع المياه، وموجات الحر والاحمال الكهربائية وانقطاعاتها في "عز" الحر.
وفيما بقي طلبة التوجيهي في الميدان، سلّم طلبة المدارس راياتهم، وانطلق كلٌ لحيِّه، يفعل ما يشاء، يرسمون مرحهم، يلهو بعضهم ويلعب، والاخر يختبر سوق العمل؛ إما مساهمة في إسناد ميزانية البيت المتآكلة، أو تحقيقا لرغبة الأهل بتصليب عود الأولاد.
هي حكاية صيف مستمرة، لا تنتهي، فيما تحل على صيفنا هذا حكاية كل الأجيال، كأس العالم، وما تحمله الساحرة المستديرة من تشويق وحماسة.
في المشهد أيضا حكاية "توجيهي" لا تنتهي بتعاقب فصول الصيف، امتحان يشكل محط قلق للأهل، ممزوج بخوف يوم الامتحان وقبله، وترقب لطبيعة الأسئلة وما تحمله من مفاجآت.
واقعيا، لم يعد التوجيهي مؤرقا لفئة معينة فقط، بقدر ما بات يؤرق المجتمع بشكل عام، وخاصة في ظل التراخي الذي أحاط بالامتحان في السنوات السابقة، وما حمله ذلك من نتائج، ومعدلات فلكية غير مسبوقة، ظهر لاحقا أن سببها "لوبيات" وجدت في الامتحان وسيلة ارتزاق وثراء.
حتى نعيد للامتحان سابق عهده، فان الإجراءات التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم، من ضبط ومتابعة، جيدة وإيجابية وفي محلها، ولكن من الأفضل، أن تتّبع الوزارة أسلوب التدرج في تنفيذ خطتها، من دون أن تترك مجالا للمتكسبين للانتفاع منه. وأؤيد بكل قوة التشدد مع كل العابثين بقدسية هذا الامتحان، ولكني لا اؤيد التشدد القاسي مع الطلبة، وتصعيب الأسئلة، لجهة وضع حد للمعدلات الفلكية، التي كانت تسجل سابقا.
للحق، فإن الوزارة تقوم حتى الآن بجهود إيجابية، ولكن عليها في الوقت عينه، أن تضع خطة متكاملة لرفع سوية الطلبة، وإزالة الأمية التي يعاني منها طلبة الصفوف الأساسية الأولى، ومنح كل الطلبة، في المدن والأرياف والمخيمات والبوادي، الحق في معلمين أكفاء قادرين على إيصال المعلومة بشكل مناسب.
في الصيف، كما في كل صيف منذ العام 2011، الذي شهد عودة مهرجان جرش بعد توقف استمر أربع سنوات، عادت تتعالى اصوات راغبة في إلغائه، واخرى ترى فيه إرثا، يجب المحافظة عليه، وإدامته والسهر على إنجاجه.
ورغم ما يسوقه المحاججون بإلغاء المهرجان، من حجج ذات صلة بالأوضاع الإقليمية والمحلية والعربية، في ظل بحور الدم، التي تسيل في محيطنا المضطرب، إلا أن المهرجان يبقى تواصلا للحياة، ولا يجوز أن ندعو لتوقف الحياة.
إلغاء مهرجان جرش، أو توقف الناس عن متابعة كأس العالم، لا يقدمان ولا يؤخران في واقعنا العربي قيد أنملة، فلا "جرش"، ولا كأس العالم، كانا سببا فيما وصلنا إليه من درك أسفل؛ من التفتت والتشرذم والطائفية والمذهبية، ولا يجوز أن نضع مشاكلنا عليهما. مشاكلنا قائمة قبلهما، وستستمر بعدهما، طالما بقي الوضع العربي الراهن، كما هو، وبقيت الأمية تضرب في جذور أمتنا العربية، عميقا عميقا حتى النخاع.
كأس العالم أو "جرش" لن يغيرا من معادلة مواصلة اسرائيل محاصرتها للخليل، بحثا عن مستوطنيها التائهين، بين كروم عنبها. وكأس العالم أو "جرش" ليسا هما ما يحرك فينا كل مذهبية، باتت تضربنا في العمق. وسواء كان موسم كأس العالم، أو غيره، فستبقى التيارات التكفيرية تقتل وتذبح وتفتك، وسيبقى الأسرى مضربين عن الطعام، من دون أن تتحرك حميتنا، وسيبقى "الأقصى" ينتهك يوميا.
دعونا من الفرعيات، ولنذهب بعيدا لمعالجة أنفسنا، من الداخل، ونكافح فينا كل نفس طائفي او مذهبي أو اقليمي، وعندها سيكون "جرش" أو كأس العالم، أو الصيف بأكمله، وبكل تفاصيله، فرحا وسعادة.
(الغد)