يهز ’أبو احمد‘ حجريّ النرد في فبضة يده ثم يرميهما بحركة تنم عن الملل والكثير من القرف ,للعلم ,يمكنك أن تقرأ مزاج’ أبو أحمد‘ في كثير من الأحيان من طريقة رميه للنرد ,فمثلا يرميه أحيانا بسرعة وبتحدي, وأحيانا أخرى بحركة استعراضية كساحر انتهى لتوه من أداء حيلة صعبة عدا عن تقبيله للحجرين أو النفخ عليهما لجلب بعض الحظ في لحظات التجلّي.....دخان الارجيله الكثيف المتصاعد من بين شاربيه العريضين يكاد يخفي ملامح اليأس التي تلازمه منذ أعوام طويلة مضت, ورائحة معسل التفاحتين تعبق المكان لا تراوحه ,يحاول أبو احمد بإيماءات يشكلها بين حاجبيه أن يعبّر لرفيق دربه و الان أصبح رفيق دق طاولة انه لم يعد بإمكانه أن يسمع شيء من أسئلته المنهمرة أو على الأغلب هولا يريد سماعها, بالإضافة إلى أن ضجيج القهوة وصوت الزبائن بات في مرحلة ما أعلى من صوت رفيقه و صوت محمد عبده الذي كان يصدح في الأرجاء شاكيا اشتياق الأماكن ....
- فكرك بترد ترتفع هذا الشهر كمان!!!!
- شو هي؟
- الاسطوانه...
- على الاغلب لا...
- و الضمان!!!!
- ماله؟
- فكرك برجعوا عن كلامهم و بعدّلوه!!!!!
- ألله اعلم...
- وأهل غزه ....
- شو في إشي جديد؟
- شفت امبارح شو عملوا فيهم اليهود اولاد إل.....وصل عدد الشهداء اكثر من ميه!!!!
- الله يرحمنا ويرحمهم.....
- و جماعة اربع طعش اذار!!!!!
- قصدك اربع طعش شباط....آه شو مالهم كمان؟
- إللي هو شباط آذار كله واحد, فكرك بطلعوا بكلامهم راس و بيمشّوا إللي بدهم إياه!!!!!
- الله يعينهم على حالهم......
- والمؤتمر!!!!
_ أي مؤتمر ؟
- لا حول الله, مؤتمر القمه يا ابو احمد....
-آه...... ماله هاظ الثاني؟
-فكرك مين بحظر و مين ما بحظر؟
- يا سيدي اللي بحظر بسد.....
- يا زلمه انت اليوم مش عاجبني لا بتلعب طاوله زي الناس, ولا بتحكي زي العالم ,على حساب انت إللي بتحب تنظّر في هيك مواظيع, شو صاير ؟؟؟؟
- شو صاير,قصدك شو إللي ظل مش صاير... آآآآآه ......قد أسمعت إذا ناديت حيا ....
- شكلك مقهور على الآخر مش مشكله...سمّعني الموظوع إللي إنت بدك ياه .
- إسمعلك هل أغنيه ....
- لا, مش معقول, ابو احمد بغني وفي هيك ظروف !!!!!!
- مش بيقول المثل إذا كثرت همومك غنيلها
- تفظل هات سمعنا.....
فراح أبو احمد يغني و يدندن أغنية سمعها منذ يومين ولأول مرة ,تقول....
. الشعب حبيبي وشرياني ,اهداني بطاقة شخصية
الاسم الكامل انسان ,الشعب الطيب والدَيا
المهنة بناضل بتعلم ,تلميذ فى مدرسة شعبية
المدرسة فاتحة على الشارع والشارع فاتح في قلبي
وانا قلبي مساكن شعبية.!!!!!!!!!!!!!!!!.......
ثم ضحك ضحكة هستيرية ملأت المكان وهو يردد وانا قلبي مساكن شعبيه والكثير من دخان الارجيله يتصاعد من بين شاربيه العريضين مغطيا ملامح اليأس التي ما زالت تلازمه باقية منذ أعوام طويلة