أولمرت وباراك يكتبان جدول أعمال المنطقة!
محمد خروب
04-03-2008 02:00 AM
بتراجع جيش الاحتلال الاسرائيلي الى الخطوط الفاصلة بين اسرائيل وقطاع غزة بعد ساعات معدودة فقط من التصريح المتغطرس الذي اطلقه ايهود اولمرت في جلسة مجلس الوزراء الاسرائيلي الاسبوعية بأن وقفاً لاطلاق النار ولو لدقيقة واحدة غير وارد، وأن عملية شتاء حار مستمرة لأيام واسابيع مقبلة، يصعب الاستنتاج بأن تغييراً ما طرأ على قواعد اللعبة التي ينوي الايهودان اولمرت وباراك فرضها على المنطقة وخصوصاً ازاء مستقبل قطاع غزة بما في ذلك اسقاط حكم حماس وليس فقط اضعافها.من السابق لأوانه القول ان الضغوط الدولية وخصوصاً ردود فعل رئاسة الاتحاد الاوروبي وامين عام الامم المتحدة الخجولة في معظمها والمتسمة بالنفاق في مجملها، عندما تساوي الضحية بالجلاد ومجرم الحرب بالمدني الأعزل، هي التي دفعت حكومة اولمرت الى التراجع التكتيكي بعد ان صدمت جرائم الحرب وحروب الابادة التي مارستها قوات الاحتلال ضد اطفال غزة ونسائها، على نحو لم تعد المسألة قائمة على من هو المتسبب واذا ما كان يمكن مقارنة سياسة الارض المحروقة وتدمير احياء بكاملها فوق رؤوس ساكنيها من قبل آلة القتل الاسرائيلية، ببعض القذائف التي يمكن ان ترتقي الى صفة صاروخ نظراً لبدائيتها وخصوصاً صناعتها اليدوية التي لم تثبت طوال سبع سنوات انها قادرة على احداث أي تغيير في موازين القوى، بقدر ما عكست ارادة فلسطينية على المقاومة ورفضاً للاحتلال وسياسات القمع والاغتيال والقتل والتجويع وخصوصاً احكام الحصار ومنع الاغذية والادوية وامدادات الوقود والكهرباء.
واذا كان من المغامرة القول ان زلة اللسان التي وقع فيها نائب وزير الحرب الاسرائيلي متان فلنائي عندما قال: بقدر ما تتعاظم نار القسام وتزيد مدى فإن الفلسطينيين يجلبون على انفسهم محرقة اكبر، قد ادت الى اشعال نار الغضب في صفوف الجماهير العربية وأوجدت مناخاً ملائماً لاعادة ايقاظ هذه الشعوب المستلبة، من غفوتها المفروضة او تغييبها بفعل القمع والقهر والجوع والافقار، فإن اللافت هو ان اسرائيل سعت بشتى الطرق الى التنصل من مضمون تصريح فلنائي وراحت تبحث عن تفسيرات ومقاربات لغوية للمعنى الذي ذهب اليه هذا الجنرال المتقاعد المتطرف والدموي والذي لم يبد ندمه على ما قال بل اصر في وقاحة (في حديث لصحيفة يديعوت احرونوت يوم اول من امس الاحد) على انه غير نادم على استخدام تعبير شواء مضيفا في غطرسة حقيقة أن زعماءهم قرروا استخدام قولي يدل على انهم ذهلوا وفهموا انهم يجلبون مصيبة على شبعهم..
محررة الشؤون العربية الشهيرة في صحيفة يديعوت احرونوت سميدار بيري حاولت تفسير المسألة في شكل يصب لصالح التفسير الاسرائيلي بالطبع رغم ان المصطلح في العبرية واضح وصريح ولهذا فهي تحمّل المسؤولية لاحدى وكالات الانباء الشهيرة (دون ان تسميها) التي ترجمت كلمة فلنائي..
... تجدر الاشارة الى ان الترجمة الصحيحة للكلمة داخل النص هييمصيبة، كارثة، غير ان احدى وكالات الانباء الشهيرة ترجمت تعبير شوءاً غدولا بالعبرية الى الانجليزية Big Holocaust ومن الانجليزية ترجموا المفهوم الى كلمة محرقة وهي الكلمة التي تصف الكارثة النازية. قالت سميدار بيري..
ثمة عوامل كثيرة اسهمت في ارباك الخطة الاسرائيلية طموحة الاهداف السياسية، والتي يبدو انها حصلت على تفهم وضوء اخضر من احدى اهم عواصم القرار الدولي، بما هي ذات صلة او اشارة البدء لمرحلة جديدة لخلط الاوراق او فرض قواعد جديدة للعبة قديمة او شطب هذه اللعبة والاتيان بلعبة اخرى قد تشكل في ظاهرها ومضمونها انقلاباً جذرياً في معادلة التحالفات والاصطفافات التي استقرت (ولو نسبياً) بعد إسقاط بغداد قبل خمس سنوات من الان وآخذاً ابعاداً اكثر خطورة في ما اسفرت عنه حرب تموز 2006 التي زادت من تصدع بعض المشروعات والاحلاف التي كانت قيد التشكيل، وليس قدوم المدمرة كول واخواتها الى المنطقة الا جزءاً من تلك السيناريوهات.
وقائع أيام محرقة غزة كرست بوضوح ليس فقط صلف وغطرسة قادة اسرائيل، وازدراءهم لمسخ اسمه عملية السلام، ولعبة لا قيمة لها اسمها المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي نتجت عن تفاهمات انابوليس وانما أيضا عن بؤس وهشاشة الموقف الفلسطيني الذي تبدى بوضوح في التصريحات والبيانات غير الموفقة (حتى لا نقول كلمة اخرى) التي ادلى بها الناطق باسم حكومة الطوارئ رياض المالكي، والتي لم ترق الى مجرد التضامن مع الضحايا، بقدر ما اهتمت بالصراع السياسي بين فتح وحماس على سلطة وهمية وكرتونية، ولم يكن بالامكان تدارك المزيد من الانهيارات والتصدعات بغير التصريح الذي طال انتظاره من الرئيس الفلسطيني عندما اوقف كل اشكال الاتصال وتعليق المفاوضات مع اسرائيل، وهو أمر لن يغير كثيراً من الموقف الاسرائيلي او يجبر اولمرت على التراجع إلاّ انه يحول دون تعميق الانقسام والفرقة في الصف الفلسطيني.
أين من هنا؟.
يبدو أن الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في انتظار كونداليزا رايس التي ستحط في المنطقة مساء يوم غد الاربعاء، وهي ستجري جردة حساب مع الاسرائيليين حول ما اذا كانوا قد حققوا الاهداف التي وضعوها من خلال محرقة الشتاء الحار التي اشعلوها في أجساد اطفال ونساء غزة ام لا؟.
أما قرار رئيس السلطة الفلسطينية بوقف كل اشكال الاتصالات مع اسرائيل، فلا نحسبه انه مرشح للاستمرار وليس من داع للمفاجأة او الاستغراب، اذا ما قامت رايس بجمعهما في لقاء جديد، لان جدول الاعمال الذي كتبه اولمرت وباراك، لم ينته بعد ولان - وهذا هو الاهم - فتح وحماس ما تزالان على عنادهما رغم كل ما يدفعه الشعب الفلسطيني من دمائه ولحمه الحي الذي يشوى في المحرقة الاسرائيلية.
kharroub@jpf.com.jo