الدولة الصغيرة والفقيرة والمحاطة بالتهديدات من حولها وحواليها،تنجو دائما،فيما الدول العربية الثرية والاكثر قوة،تنشطر وتنقسم وتغرق في حروب داخلية وخارجية.
هذه هي قصة الاردن طوال عمره،اي مواجهة التهديدات والنجاة دوما، وهي نجاة لم تتحقق بالصدفة،لان هناك عوامل كثيرة لعبت دورا في نجاة البلد من مصائب الاقليم وحرائقه.
اثارة الذعر من حرائق الجوار امر طبيعي احيانا،ويحمل مبالغات في احيان اخر،غير ان علينا ان نتذكر ان التعايش مع الخطر كان قدر الاردن،منذ ان كان، واذا كان المراقبون اليوم يرصدون تحولات في المنطقة اكثر خطورة على صعيد ملفات العراق وسورية وفلسطين وغير ذلك من ملفات،فان الارتداد الاساس واضح جدا على البنية الاردنية.
العقل الباطني للدولة الاردنية وللمجتمع يتطلع دوما الى هذه الاخطار ونرصد بشكل واضح جدا،تأثرا كبيرا بما يجري في دول الجوار،فالازمة السورية مثلا،لعبت دورا في تهدئة الداخل الاردني وتخفيف حدة الحراكات لان الناس لا يريدون ان يتعرضوا الى اشكالات شبيهة.
ما تضمنه ذات العقل من استنتاجات اثر سقوط فلسطين،وموجات الهجرة،امر ليس سهلا،وهو يتكرر اليوم بصورة اخرى،امام الازمة العراقية وجنوح العراق نحو مزيد من الدم والفوضى والقتل والانقسام.
هذا يقول ان الاردن ينجو دوما لان الداخل يتعلم من دول الجوار،فمن هو الذي يريد نسخ احدى تجارب الجوار في الاردن،والاجابة سهلة جدا،فلااحد يريد نسخ هذه الكوارث،ابدا،لا من حيث تدمير الدول ولا تشرد الشعوب،ولا الانشطار الافقي والعامودي على كل المستويات؟!.
بهذا المعنى ينجو الاردن دوما على الرغم من فقره ومشاكله وتأثره ايضا بكل ملفات الجوار وتداعياته عليه،ولكي يواصل الاردن النجاة فلا بد من امرين مهمين هنا.
اولهما تنبه السياسات الرسمية الى ان فكرة حفاظ الناس على البلد لا يجوز ان تفتح الباب لسياسات ثقيلة اجتماعيا واقتصاديا،والركون الى تمسك الناس باستقرار بلدهم لا يعني اتخاذ قرارات صعبة، باعتبار ان الناس لا يمكن ان تحتج او ترفض، وعلى مركز القرار،الموازنة بشكل ذكي جدا بين مايضطرون اليه من قرارات صعبة، وبين الاتكاء على صبر الاردني باعتباره سيقبل اي شيء،لكونه لا يرغب بخراب البلد.
ثانيهما ضرورة اعادة ترتيب اوراق الداخل عل صعيد ملفات كثيرة اجتماعية واقتصادية والسعي لخفض منسوب التوتر بين كل المكونات السياسية والاجتماعية،حتى يبقى الداخل الاردني قويا، ولاهشاشة فيه تسمح بتسلل الامراض والازمات او توظيفها،وهذا عنوان مهم جدا،وهو يفرض التخلي عن الادارة اليومية نحو عناوين جديدة تعيد ترتيب الداخل،وترفع الروح المعنوية، واشعار الناس حقا ان هناك املا في الحياة.
الاردن المحاط بسوار من الازمات،هذه الايام،هو ذات الاردن الذي كان محاطا بالازمات سابقا،والذي يعود بالذاكرة يعرف ان الاردن كان محاطا بأنظمة انقلابية عسكرية،تريد اسقاط دولته،وتعرض تاريخيا الى مؤامرات كثيرة، وتلقى ضربات وطعنات لاتعد ولاتحصى وبرغم ذلك بقي مستورا مصانا ضمن اقل الكلف الممكنة.
لانريد ان ننزع الى المبالغات في تكبير حجر الاردن،ونفخ الذات، غير ان الاردن طوال عمره محاط بالازمات، وكان ينجو دوما،وهو البلد الذي فاق دول اكبر واعظم واثرى واقوى،في غريزته للبقاء،ولعب الداخل والقرار الاقليمي والدولي،دورا في صيانته ايضا.
الكلام لا يقال اليوم على سبيل الفخر الزائف، بل على سبيل تذكير الجميع،ان من واجبنا ان ينجو الاردن،وان لاننصاع الى الفكرة التي تقول ان النجاة مستحيلة حتى النهاية،لان النجاة هنا،ليس مجرد بركة سماوية،لكنها في جانبها الارضي،تحتاج الى تكاتف الجميع، والى اجراءات داخلية،تجعل كل خطر خارجي بلا قيمة.
(الدستور)