التوجيهي في الأردن .. هم وغم
اسعد العزوني
16-06-2014 03:39 AM
وكأن المواطن الأردني، إنتقل بقدرة قادر،إلى منافسة المواطن الياباني والكوري الجنوبي، في التوفير والتمتع بوسائل الترفيه ،ولم يعد قلقا على يومه وغده ،وعلى مصيره ومصير أولاده ،لأن الدولة وفرت له مظلة التأمين على الحياة بكل مفاهيمها.
لكن المواطن الأردني ما يزال على حاله ،يهرب من معاناة إلى أخرى، ومن تعب إلى تعب،مع أن الأردن كجزء من الأرض المقدسة ،حباه الله بثروات لو إستغلت بما يرضي الله ورسوله ،لعاش المواطن الأردني ،حياة رغد ما بعده رغد ،وتبغدد كثيرا ،وتفشخر حتى على مواطني دول الخليج العربية .
ومع ذلك أبى وزير التربية والتعليم معالي د.محمد ذنيبات ،إلا أن يزيد من قهر المواطنين الأردنيين ،ويفاقم همومهم،ويمنع عنهم الفرحة بنجاح أبنائهم الذين صرفوا عليهم كثيرا وأعدوهم لمثل هذا اليوم خير إعداد.
لقد جعل الوزير الذنيبات إمتحان التوجيهي ،هما وغما إضافيين لهذه الفئة من المواطنين،وكأنه جاء لتنفيذ أجندة جل بنودها تزيد من هموم المواطنين،ذلك أنه مارس المطلوب بطريقة لا علاقة لها بالهدف ،بل إتبع الفزعة التي في غير محلها ،وأقصد بذلك التغيير المطلوب وإعادة هيكلة التوجيهي بشكل خاص والعملية التعليمية بشكل عام،علما أن التغيير كان يجب أن يتم في المرحلة الأساسية ويتدرج حتى يصل إلى التوجيهي.
معروف أن إمتحان التوجيهي كان سابقا عبئا ثقيلا على الأسرة المعنية ،والمجتمع ككل ،فلا زيارات أسرية متبادلة ،ولا إمكانية لكسر القواعد ،لأن الأسرة ترفع شعار :"في بيتنا توجيهي"،ناهيك عن التقليد الجديد المرهق الذي غزا المجتمع الدايخ أصلا من العجز الدائم في ميزانية الأسرة ،متشابها مع الحكومة في هذا السياق، وأعني بذلك الدروس الخصوصية التي عمت الفقير قبل الغني.
كل ذلك كان يمكن إحتماله ،ففرحة البعض لها ثمن،لكن ما جرى هذا العام بالنسبة لإمتحان التوجيهي ،بشقيه الشتوي والصيفي،تجاوز حدود المنطق وقدرة المواطن المرهق أساسا على التحمل، لأن مخرجات عملية التغيير والتطوير التي لا أسس منطقية لها ، تحولت إلى ضربة قاضية للمجتمع الأردني،وكأن الوزير الذنيبات ،جاء ليغرق الشعب الأردني في مآس ،جنبه الله منها بعدم تفاقم الأمور ضمن ما يحلو للبعض أن يطلق عليه "الربيع العربي".
كل بيت في الأردن فيه توجيهي هذه الأيام ،يعيش مأساة ما بعدها مأساة، بسبب عدم قدرة وزير التعليم والرهط المحيطين به ،على خلق عملية تطوير وتغيير منطقية ،فما يجري محير للجميع وأن الشعب الأردني منشغل بفك ألغاز وأسرار أجندة الذنيبات التي أفرزت حزنا عميقا ،كان من الممكن لوزير التربية ورهطه أن ينفذوها بعقلانية لو كان هناك من جرى تعيينه في منصبه لكفاءته.
البند الأول الذي أطل برأسه البشع من أجندة الوزير الذنيبات ،هو ضرب العاصمة عمان ،والتشكيك بإبداعاتها ونبوغ أبنائها ،من خلال إظهار نتائجها دون المستوى ،ويظهر جليا أن هناك علاجا لكنه سام لحالة مرضية لسنا نحن المسؤولين عنها ،بل وزارة التربية والتعليم.
ففي الدورة الشتوية الماضية ،تعرض المواطن الأردني المعني ، إلى هزة وجدانية ،غير متوقعة ،وكانت نتائج التوجيهي على غير المتوقع ،وأنا هنا أتحدث عن النخبة من الطلبة والطالبات الذين صرف أهاليهم عليهم، وسهروا معهم طيلة مشوارهم التعليمي ،في حين كانت وزارة التربية والتعليم ممثلة بمدارسها ،تبيعهم إلى المدارس الخاصة.
هناك طلبة من الأوائل الذين حصلوا في مدارسهم على تميز ،ولكنهم في الإمتحان الجديد وجدوا أنفسهم ،بعيدين عن التميز، بسبب بعد وزارة التربية عن القدرة على التطوير،وقد إستنكف العديد من هؤلاء الطلبة عن مواصلة أداء الإمتحان ومعالي وزير التربية يعرف ذلك بالضرورة لكنه لم يهتم لذلك،لأن في رأسه موالا يصر على أن يغنيه رغم عدم وجود من يستمع إليه.
الأغرب من ذلك أن بعض الطلبة وبإعترافهم علانية على شاشات التلفزة المحلية ،بأنهم لم يكتبوا حرفا في أوراق الإجابات ،ومع ذلك حصلوا على علامات ،وهم في حيرة من أمرهم ،كيف تم ذلك،وهنا مربط الفرس،أن وراء الأكمة ما وراءها، المهم أن معالي الوزير فعل فعلته في الدورة الشتوية ،ووعد بتغيير على الدورة الصيفية لكن المفاجأة كانت أشد، وجاء إمتحان اللغة الإنجليزية ضربة قاصمة للطلبة ،وقيل أن أستاذا اكاديميا في الجامعة هو الذي وضع الأسئلة فهل يجوز ذلك؟
جاءت اسئلة مبحث اللغة الإنجليزية صاعقة ،بعد أن وعد معاليه بتسهيل الأسئلة وإشتقاقها من الكتاب،لكنه لم يف بوعده ،وكأنه يتحدى الشعب بأكمله،ووصف مدرسو اللغة الإنجليزية في مدارس وزارة التربية والتعليم ما جرى بأنه جريمة ،لأن الأسئلة فوق مستوى الطلاب.
لا ندري ما الذي حدا بمعالي الوزير أن ينتهج هذا النهج، والأمر يتعلق بإنعدام الشفافية والمكاشفة والمصارحة ،وهناك من يقول ومن داخل الوزارة ،أن تحذيرا دوليا وصل الأردن بطريقة رسمية ،يطالب الحكومة بإعادة هيكلة إمتحان التوجيهي ،وذلك في العام 2005 ، ومنحت الحكومة موعدا بحد أقصى للتنفيذ حتى العام 2015.
لكن أيا من الوزراء السابقين لم يحرك ساكنا ،نظرا للعجز المطبق الذي يتمتعون به ،فوجد د.الذنيبات أن القنبلة قد إنفجرت في حجره ،فتحرك بخطوات غير محسوبة ،لذلك كانت النتائج والتداعيت كارثية ،لأن المخرجات تتعلق بالمدخلات،وقد ضرب ضربته مرة أخرى في الدورة الصيفية ،و خرج على إحدى الشاشات مهاجما الأهالي بقوله أن أبناءهم يداومون في محلات الإنترنت ،وأمام مدارس البنات.
لم يدر بخلد معالي الوزيرأنه سيسمع ردا مفاده أنه المسؤول الأول والأخير ، عما آل إليه وضع الطلاب،لأن المدرسة لم يعد لها ذلك التأثير والدور ،بعد أن جرى تهميش دور المعلم ونزع سلطاته منه ،وجعله عرضة للمبيت في النظارة إن تقدم طالب أو ولي امر لم يفهما المعادلة ضده بشكوى كيدية إلى المخفر،وبات يستلف سيجارته من أحد طلابه،وإقتصر دوره على أن يكون حارسا على الغرفة الصفية ،وليس معنيا بالعملية التدريسية التي فرغت من محتواها ،وبالتالي أصبحت وزارة التربية هي المعول القوي والأوحد الذي يهدم أطروحات صاحبي الجلالة الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا العبد الله.
السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذا الزحام ردا على تقريع معالي الوزير للشعب الأردني بأنه لم يحسن تربية أبنائه هو :هل نسي معاليه أنه وزير تربية قبل أن يكون وزير تعليم؟ بمعنى أين دور الوزارة في الحد من هذه الظاهرة التي عرضها في غير محلها ووقتها؟
الوزير الذنيبات يخوض معركة خاسرة وقودها أبناؤنا فلذات أكبادنا ،فهو يشن حربا شعواء على المدارس الخاصة، دون أن يدري من حول التعليم في الأردن إلى تجارة ،وفسح المجال للتجار بأن يتولوا أمور أبنائنا ،كما أنه وربما لا يعلم أن مدارس وزارته تبيع متفوقيها إلى المدارس الخاصة بعد الصف العاشر ،لتحصد تلك المدارس تفوقهم وتنسبه إلى نفسها ،وليتابع معاليه صفحات الإعلانات التي تنشرها تلك المدارس.