تكنولوجيا في خدمة التخلّف!
خيري منصور
16-06-2014 03:31 AM
للتخلف عبقريته السلبية وذكاؤه الشرير الذي يحول النافعة إلى ضارة والرافعة إلى عقبة، وقدر تعلق هذا بالمنجز التكنولوجي، فقد استطاع التخلف وضع التكنولوجيا في خدمة الخرافة والنميمة، مثلما حول منجزات كالهاتف كان هدفها توفير الوقت والجهد إلى أدوات شيطانية هدفها تدمير الوقت وملء الفراغ بما هو أشد فراغاً منه.
وآخر مبتكرات هذا التعامل العربي مع التكنولوجيا الغش في امتحانات الثانوية العامة كما حدث هذا الأسبوع في مصر، فقد تسربت عبر الهواتف النقالة والفيسبوك أسئلة الامتحانات في عدة مواد، كان آخرها امتحان الفيزياء مما اضطر وزارة التعليم إلى استبدال أسئلة، وإلغاء امتحانات والحبل على الجرار!
إن كل منجز علمي له وجهان ووظيفتان احداهما تدميرية والأخرى بنائية، وعلى سبيل المثال هناك أدوية مأخوذة من السم لكن بنسب مدروسة بعناية وشعار الصيدليات هو أفعى تتلوى في كأس وليس ملعقة عسل!
والعلم الذي قدم ما يشبه المعجزات في مجال الطب وأنقذ البشرية من أوبئة كانت لولاه تؤدي إلى الانقراض قدم أيضاً أسلحة مدمرة، وأدوات تعذيب ووسائل للتجسس وانتهاك حريات الناس والعبث بمصائرهم. لهذا فإن العلم لأجل العلم فقط يحذف من هذا المنجز الحضاري العظيم بعده الأخلاقي وما تعلمناه في الصغر مختصراً في عبارة من جد وجد تحول بفضل فارض التخلف والجهل إلى من هدَّ وجد..
إن جذر الداء في هذه الظاهرة وكل ما يشبهها في حياتنا هو أن المستهلك المحترف لا ينكر على الإطلاق بذهنية المُنتج، سواء تعلق هذا الإنتاج بالسلعة أو الكلمة والمفهوم المعرفي.
والمستهلك يحصل بسرعة فائقة على ما يريد من كل منجزات التكنولوجيا الحديثة لكنه محروم من الحصول على نمط التفكير الذي ابتكر تلك المنجزات وصاحبها!
ويخطئ من يتصور أن التخلف عاطل عن الصناعة، لأن صناعته الكبرى مأخوذة من مادة خام لا مثيل لها وهي الجهل وبذلك يكون هذا التصنيع أشبه بإفراز السم، وجعل كل الديناميات سالبة، انه ميداس الاغريقي الذي قالت الأسطورة أن كل ما كان يلامسه يتحول إلى ذهب، لكنه بعد أن ترجم إلى العربية أصبح يحول كل ما يلامسه من ذهب إلى رمل!
واستمرار الاستخفاف بالتحليل العلمي لهذه الظواهر هو تكريس وترسيخ لكل ما هو سلبي بل هو تغذية للتخلف هذا الحيوان العجيب العملاق الذي يسيل لعابه على الكتاب ليأكله وليس لكي يقرأه وعلى المنجز التكنولوجي لتوظيفه عكسياً وليس لاستثماره من أجل حياة أقل شقاءً!
(الدستور)