عملية الخليل تُعدُّ ثمرة طبيعيَّة للوضع القائم في الضفة الغربية، وهي ثمرة التفكير الصحيح في التعامل مع الاحتلال المتغطرس الذي استطاع أن يُفرغ عملية التسوية من كل محتوى أو مضمون ينتسب إلى معنى السلام الحقيقي بحدوده الدنيا، بعد أن قدَّم الفلسطينيون كل التنازلات المطلوبة وزيادة، وتم توقيع المعاهدات بضمانة العالم والقوى الكبرى.
لقد اسفرت كل عمليات التسوية وما رافقها من تنازلات عن «سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً»، فقد تم تحويل الضفة الغربية إلى سجن ومعتقل كبير، وتم تحويل السلطة إلى مديرية شرطة تابعة لقوات الاحتلال، وأعطى قوات الاحتلال وجنوده حق مداهمة أي منزل في ليل أو نهار دون إذن أحد ودون أخذ موافقة أحد، فليس هناك سيادة فلسطينية ولا أمن حقيقي ولا اقتصاد ولا سياسة خارجية ولا حدود ولا جيش ولا حق الدفاع عن النفس.
ليس هذا فحسب بل إن الاستيطان يسير بتسارع وتتم مصادرة الأراضي وهدم البيوت والاستيلاء على ممتلكات المواطنين، وتهويد القدس، وتدنيس الأقصى، والسير حثيثاً نحو الدخول المشرعن إلى ساحات الحرم، ومحاولة دائبة لتقسيمه والاستيلاء عليه، زيادة على أعمال الحفر تحت الحرم، وبناء الأنفاق، واقامة كنيس على بوابته ومنع المصلين المسلمين من الدخول إلى مسجدهم، ومطاردة النساء والأطفال، وممارسة عمليات الاغتيال والقنص بشكل مستمر، إضافة إلى إقامة الحواجز ومنع المواطنين من الشغل في الأرض الفلسطينية ومنعهم من الذهاب إلى أراضيهم ومزارعهم، والعمل على اقتلاع الزيتون وتخريب المزروعات.
هذا غيض من فيض مما يجري للفلسطينين داخل أرضهم المحتلة، التي لا يحمل المستقبل أي دلالة على زوال الاحتلال، ولا أمل للشعب الفلسطيني أن يأخذ حقوقه الطبيعية وأن يقرر مصيره على أرضه وفي وطنه، مما يدفع الفلسطينين دفعاً نحو الاحباط واليأس، وزيادة مخزون الحقد في نفوس الأجيال التي تعيش الاستعباد والظلم والعسف لمدة تزيد على (66) عاماً من الاحتلال البغيض.
يجب أن يلجأ الفلسطينيون إلى أساليب أخرى مختلفة ويجب أن تتوقف السلطة عن زيادة المعاناة على الشعب الفلسطيني ويجب أن تتوقف عن كونها أداة من أدوات الاحتلال وأن تترك للشعب أن يحمي نفسه بنفسه، وأن يبتكر من الوسائل ما تشكل ردعاً للاحتلال.
يجب أن يعلم (الاسرائيليون) أن الفلسطينيين لن يرحلوا من أرضهم، ولا يتخلّوا عن حقهم، وسيبقون متمسكين بالأرض والمقدسات الى يوم القيامة، وهم متمسكون بحقهم في مقاومة الاحتلال، و متمسكون بحقهم في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم وديارهم وأبنائهم.
عملية التسوية التي نقلت مصطلح الاحتلال إلى اعادة الانتشار ستسفر عن مزيد من عمليات اختطاف جنود العدو، ومزيد من عمليات نوعية موجعة، هذا ما تنطق به الأحداث الجارية والسياسات المتبعة التي تنبع من نفس متغطرسة مشبعة بعقدة العنصرية والاستعلاء.
كل فلسطيني على وجه البسيطة، وكل عربي ومسلم ينبغي أن يقف خلف المتشبثين بأرضهم والمتمسكين بحقهم، ويجب التخلي عن كل ما من شأنه الاستعراض الذي يهدر الوقت ويزيد من المعاناة، فهذا العمل الذي يقوم به فلسطينيو الداخل هو الأسلوب الصحيح بالمقاومة والجهاد والنضال المشروع.
(الدستور)