من يدقق النظر في الخارطتين السورية والعراقية يجد أن البعث في دمشق يحافظ على توازنه في السلطة رغم محاولات إحداث اهتزازات فيها من الداخل بواسطة حراك المعارضة الوطنية غير المتحدة وجيشها الحر أو من الخارج عن طريق الطابور الخامس السلفي السلبي الغازي ممثلاً بتيارات دينية متشددة منحرفة مثل (داعش) و(النصرة) و(الشورى) بقيادة تنظيم القاعدة الارهابي المهاجر إلى هنا من أفغانستان، وهو الذي صُنّع أمريكا عام 1979 لإخراج السوفييت من أفغانستان، أو عن طريق محاولة تحريك حلف الناتو العسكري بقيادة أمريكا نفسها لضرب وقصف النظام السوري من الخارج وبالتعاون مع رغبة إسرائيلية خفية قبل صدور الفيتو الروسي – الصيني المشترك وتكراره أكثر من مرة من وسط مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة الذي تمكن وبحزم منع ذلك أمام الرأي العام العالمي، وهو الأمر الذي قوبل بالإيجاب من قبل مؤيدي السياسة الروسية في الشرق الأوسط المنادية باستقلالية الأقطاب العالمية وتوازن المصالح وعدالتها وزوال القطب العولمي الواحد؛ (وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف صرح للإعلام الدولي 14/ حزيران حول العراق وسوريا الآن بأن بلاده نبهت لما يحدث مبكراً ودعت للحوار تحديداً مع الأسد ولم تعتبره أمراً كارثياً).. وبالنقد من قبل مؤازري المدرسة الأمريكية التي لا ترى قطباً يحق له قيادة العالم والسيطرة على اقتصاده غيرها، وفي المقابل أدى غياب ميلاد القطب العربي الواحد حتى الساعة إلى تشرذم الصورة العربية وتمزقها و اهتزازها وعجزها عن إيجاد حلولاً عربية خالصة مشتركة بعيداً عن التأثيرات والمصالح الخارجية الاستعمارية الاحتلالية غير القائمة على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة المتوازنة، ولم يستطع تنظيم القاعدة الإرهابي وتاجر الحروب ورغم حجم الدمار الذي أحدثه في سوريا مدنا وقرى أن تحقق نجاحات سريعة وملحوظة على الأرض بالتعاون مع (داعش) المنادية بأسلمة سوريا والعراق وبناء الدولة الإسلامية المتطرفة بالطبع أو الاختلاف معه بالكامل واستطاع النظام السوري عبر صناديق الاقتراعه مؤخراً هذا العام من إعادة انتخاب الرئيس بشار الاسد وبدعم ميداني من حزب الله وإيران و روسيا من تثبيت أرجله بشكل ملاحظ على الأرض السورية، وها هو الأردن يدرس إمكانية إرسال سفير أردني جديد إلى دمشق بعد حادثة الاستغناء عن خدمات السفير السابق بهجت سليمان لخروجه عن العرف الدبلوماسي المعهود بين الدول، وسبق لعمَّان أن طلبت من دمشق أيضاً تسمية سفيراً جديداً لها وفي هذا مؤشر حقيقي على ثبات نظام البعث الأسدي السوري وعدم ترنحه بشدة.
في العراق الصورة الجديدة منقسمة على نفسها أكثر من سوريا فالنظام العراقي الجديد الذي صعد على ظهر قوات تحالف الناتو عام 2003، ومن ثم عبر صناديق الاقتراع عامي 2010 و 2014 رسّخ القسمة الطائفية السنية الشيعية التي لم تكن تلاحظ في عهد الشهيد صدام حسين رغم أخطاء نظامه الطردية مع إيران والكويت والدعائية مع إسرائيل ومع الداخل العراقي في حلبجة والفلوجة، وكان الوطن العراقي وعمقه القومي العروبي هو الشعار الأكبر للبعث ولكل العراق، وأكثر من ذلك تم اقصاء حزب البعث سياسياً من البرلمان والبلديات ومن الحكومات التي تشكل تباعاً، وتم حل الجيش الوطني العراقي الذي تأسس على نهج البعث القومي، وانتشرت الفوضى وتصاعد القتل إلى المليون وأكثر والتشريد كذلك، وهرب رأس المال وسرق والاستثمار كذلك، وعم الإرهاب والرعب ومع هذا وذاك فاق البعث من جديد بقيادة الجنرال عزت الدوري سليل العهد الصدّامي وخلايا الجيش المسلح المنحل من دون إسناد من فصائل داعش ذات الامتداد السني كما يعتقد لتغيير سياسة بغداد الشيعية الحاضرة الآن بقيادة نور المالكي والمدعومة من إيران وأمريكا بصورة مشتركة، والمنظور إلى الأمام الآن هو انقلاب سياسي أو حرب أهلية أو تقسيم حتمي للعراق.
لا أعرف لمصلحة من تقسيم المنطقة الشرق أوسطية إلى سنة وشيعة والهاؤها بالنسب المئوية لهذا الطرف الديني أو ذاك مناصفة أو أكثر وحتى النسيج الكردي لم يسلم من هذه القسمة التي تحولت إلى فتنة واقتتال دموي على الهوية في عموم العراق، وتصاعد إلى درجة خطرة أصبح من الممكن معها تقسيم الدولة الواحدة إلى قسمين أوثلاثة وهو ما يمكن أن ينسحب على سوريا أيضاً بوجود العلوية والكردية والسنية والأرمنية والدرزية وغيرها، فهل هذه هي هويتنا نحن العرب أم أن الفرنجيين هم صُنّاعها من إيرانيين وأمريكان وإنجليز وفرنسيين وغيرهم؛ قال لي السيد أحمد حسيني المستشار الأول في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعمّان والذي التقيته على هامش احتفال السفارة الروسية بالعيد الوطني لبلادها لدقائق تاريخ 10 / حزيران الجاري بأن كل ماله علاقة بالتقسيمات الدينية الشيعية والسنية ونسبها المئوية هي من تشكيلة المجتمع العراقي نفسه وهي طبيعية، وتعليقي هنا هو لماذا أثيرت الآن بعد انهيار نظام صدام حسين؟ ولماذا العزف عليها برلمانيا ورئاسياًَ وسياسياً وفي الشارع العراقي المكلوم؟ وهل من الممكن أن يعود العراق سالماً معافى ويرفع شعار الوطن العراقي وبعد ذلك العربي فوق كل اعتبار؟ ومتى سيصبح العرب عرباً ويتمسكون بعروبتهم أكثر؟ وإذا ما سئل أحدهم قال أنا عربي من العراق ومن الأردن ومن فلسطين ومن سوريا ومن مصر وهكذا دواليك، ومن ثم متى ستنتقل الجامعة العربية من دورها الشكلي البروتوكولي إلى السياسي والسيادي وتؤسس لنظام عسكرتاري موحد قادر على مواجهة التحديات الغازية لعالمنا العربي على شكل منظمات متطرفة إرهابية دخيله تارة باسم الدين و أخرى باسم السياسة، أو لمواجهة أي خطر خارجي احتلالي ودحره مثل الإسرائيلي.
الغريب في أيامنا هذه وهو الملاحظ بأن التنظيمات الداعشية والقاعدية ومنها النصرة والشورى لا تستهدف إسرائيل زارعة الاحتلال و الاستيطان والتهويد في بلادنا العربية؛ (محامي الشهيد صدام حسين يؤكد للإعلام بأن ما يجري في العراق الآن من زحف تجاه عاصمة الرشيد بغداد هو جهد لجيش نظام صدام والبعث السابق المنهار شكلاً وعودة للبعث، ولا علاقة له بتنظيم داعش المنادي بدولة إسلامية تمتد من بغداد حتى دمشق)، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو ألا يوجد خوف من هذا الجسر لداعش على بلدنا الأردن الوطن الغالي الذي يقع في منتصف طريقه؟ وكيف بإمكاننا أن نمنع النيران من أن تصيب ثوبنا الأردني؟ أن ثقتنا بجيشنا العربي الأردني الباسل المرابط على الحدود كبيرة، والجندي الأردني أسد في كل مكان، ونعتبر وحدتنا الوطنية مقدسة وخط أحمر، ودينياً ننتمي لآل البيت الهاشميين، وعلاقتنا الداخلية الأردنية في تعايش وعيش واندماج دائم وترتكز على محبة مستمرة وبعد نظر، وكلنا فخر بقيادتنا الهاشمية و بقيادة سيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين تحديداً، و الاستقرار منظومة متكاملة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ترتكز على العدالة والقانون، وهو إقليمي وعالمي أيضاً مرتبط بانتهاء الحرب الباردة بين أقطاب العالم المتصارعة وبزوال كافة أنواع الاحتلالات والاستعمارات المباشرة وغيرها، وبدفن الطائفية الدينية بالوعي والمعرفة والثقافة وبترسيخ مبدأ أننا أبناء السماء الواحدة ولا إله إلا الله وحده سبحانه وتعالى ولا شريك له.