يعارضون التدخل الامريكي العسكري في سورية ويفرشون له السجاد الاحمر في العراق
عبد الباري عطوان
14-06-2014 02:09 PM
يتوحد العراق كلة تقريبا في مواجهة الدولة الاسلامية وحلفائها بعد استيلائهم على الموصل وتكريت والفلوجة ومدن اخرى، فالسيد علي السيستاني المرجع الديني الاعلى دعا العراقيين الى حمل السلاح ومحاربة “الارهابيين”، وجون كيري وزير الخارجية الامريكي دعا القادة العراقيين الى الاتحاد لمواجهة تقدم المسلحين الاسلاميين نحو بغداد، بينما تواصل قوات البشمرغة الكردية حربها لمنع استيلاء الاسلاميين على مدينة كركوك.
من يتابع هذه الدعوات والنداءات يعتقد ان العراق مهدد بغزو من دولة عظمى تملك صواريخ وغواصات نووية وليس مجموعة صغيرة من المقاتلين لا يزيد تعدادها عن الف وخمسمائة شخص في افضل الاحوال، ولم تخرج اي من قادتها من كليات عسكرية امريكية او بريطانية او روسية مثل سانت هيرست وويست بوينت مثلا.
***
ميزانية وزارة الدفاع العراقية تزيد عن سبعة مليارات دولار سنويا، تنفق على تدريب وتسليح 600 الف ضابط وجندي، اما ميزاينة الامن والشرطة فتقترب من نصف هذا الرقم، وتشمل حوالي 300 الف جندي ورجل امن ايضا هذا غير الميليشيات المساندة، ومع ذلك يهرب 30 الفا من هؤلاء كانوا يتمركزون في الموصل ويتخلون عن ملابسهم واسلحتهم الخفيفة والثقيلة ومعداتهم العسكرية، وبعضهم بملابسهم الداخلية، في اول جولة مواجهة مع قوات الدولة الاسلامية وحلفائها، فهل هذا هو “العراق الجديد” الذي بشرنا به حكامه ورعاته الامريكان؟
فاذا كان هذا العراق، وبعد احدى عشر عاما من “تحريره”، وانفاق مئات المليارات على اعادة بناء قواته المسلحة، واجهزته الامنية، لا يستطيع الصمود لساعات معدودة امام قوات من المقاتلين “الهواة”، والمسلحين بأسلحة خفيفة، فانه “عراق” لا يستحق اسمه، ومن الظلم اطلاق لقب “الجديد” عليه، او حتى مقارنته بالعراق القديم والاقدم.
ما حدث في الموصل وتكريت والفلوجة وكل المدن الاخرى التي سقطت في ايدي قوات الدولة الاسلامية وحلفائها فضيحة للسيد نوري المالكي رئيس الوزراء وكل حلفائه والمحيطين به، وكنا نتمنى على السيد السيستاني ان يكون من اول المطالبين باقالته وتقديمه الى المحاكمة بتهمة الاهمال والتقصير وتدمير هيبة الدولة، والفشل في حماية الشعب العراقي التي يجب ان تكون على قمة اولوياته، فأي رئيس وزراء في دولة تحترم نفسها تلحق بقواته هذه الهزيمة يستقيل فورا ويضع نفسه امام القضاء.
امر معيب ان يتسابق السيد المالكي مع منافسه الآخر السيد اسامة النجيفي رئيس البرلمان على طلب مساعدة المحتل الامريكي، وهما وغيرهما من السياسيين العراقيين كانوا يتباهون باخراج جميع القوات الامريكية من العراق، ورفض توقيع اتفاقات امنية مع قيادتها تسمح ببقاء بعض هذه القوات في قواعد عسكرية آمنة داخل العراق.
ما فائدة الديمقراطية والانتخابات والحريات التعبيرية وباقي مفردات وعبارات هذه المنظومة اذا كانت السلطات المنبثقة عنها لا تستطيع حماية البلاد، وتوفير الامن لمواطنيها، والحفاظ على السيادة الوطنية، والتمسك بالقرار الوطني المستقل، وتهرع للاستعانة بالاجنبي وقواته لانقاذها من منظمة صغيرة لا يزيد عدد مقاتليها عن بضعة آلاف.
قالوا لنا ان باراك اوباما رئيس الدولة الاعظم في العالم يدرس جميع خياراته العسكرية تمهيدا لتلبية نداء الاستغاثة العراقي والتدخل عسكريا في العراق، وكأن هذه البلد ما زال “محمية امريكية” وليس دولة من المفترض انها “محررة” و”مستقلة”، والنموذج الانصع في الاستقرار والتقدم والرخاء في محيطها العربي.
لم يبق الا ان يرسل الرئيس اوباما حاكما عسكريا الى العراق مرة اخرى، مثل بول بريمير او ديفيد بترايوس قائد القوات الامريكية الاسبق في العراق و”مخترع″ قوات الصحوات سيئة الذكر.
الرئيس اوباما يمكن ان يقرر ارسال طائراته القاذفة، بطيار او بدونه، من اجل مهاجمة تجمعات القوات التابعة للدولة الاسلامية وحلفائها في المدن التي تسيطر عليها، وقصفها بالصواريخ والقنابل وقتل مئات وربما آلاف المدنيين العراقيين في المناطق المجاورة مثلما حدث في العراق ايام الغزو الامريكي وبعده، ومثلما حدث ويحدث في افغانستان، وليبيا والسوابق عديدة ومؤلمة.
***
ان اي تدخل عسكري امريكي جديد في العراق تحت اي ذريعة من الذرائع، هو تأكيد اضافي للقاعدة القانونية التي تقول ان المجرم يظل يحوم في مسرح الجريمة، فهذا المجرم الامريكي الذي قتل اكثر من مليون عراقي على مدى عشر سنوات من احتلاله ما زال يتعطش الى المزيد من دماء العراقيين.
المسؤول الاكبر عن كل هذه المأسي التي تتكاثر على العراق وشعبه هو النهج الطائفي الذي اتبعه السيد المالكي والمجموعة المتحالفة معه في حكم العراق، وهو النهج الذي مارس سياسة الاقصاء والتهميش، والثأرية ورفض التعايش باشكاله كافة وتعطيل المصالحة الوطنية بالتالي، وهذا النهج اخطر بكثير من “الارهاب”، في رأينا” بل هو الارهاب عينه، لانه يوفر الاسباب والذرائع والتربة الحاضنة الخصبة للارهاب الآخر الذي يستغيث منه اخطاره ويستعين بالغرب لمحاربته.
رفضنا التدخل العسكري الاجنبي في ليبيا وسورية ومن قبلهما العراق، ونستغرب ان يكون السيدين المالكي والنجيفي اللذين عارضا التدخل في سورية يستدعيانه في العراق ويفرشون له السجاد الاحمر، انها قمة المأساة.
(رأي اليوم)