ما حدث في العراق، صادم ومفاجىء، حتى لدى من قال انه كان يعلم بما سيحصل، ممن لديهم اتصال من قريب أو بعيد بالتنظيمات المسلحة في سوريا والعراق، بل ربما فاجأ ايضا من وضعوا خطط الأحداث، ورسموا سيناريوهاتها، نظرا للسهولة التي استولى بها المسلحون على أراض ومدن ومؤسسات فيما يشبه طرفة العين، ولنا من بعد على هذا المشهد بضعة ملاحظات..
اولا/ تحميل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يعرف بـ «داعش» «مسؤولية» ما حدث فيه بعض الشطط، والقفز عن الحقائق، ذلك ان «بصمة» داعش هنا تكاد تكون غائبة، لأن هذا التظيم لا يأخذ اسرى، ولا يطلق سراح من يلقي القبض عليهم، بل «يثخن» بالقتل، وما رأيناه من «تسريح» من القي القبض عليهم من الجيش العراقي، وإطلاق سراحهم للعودة إلى عشائرهم، يقول اننا امام قوة غامضة، لا يمكن ان تكون داعشية العقيدة!
ثانيا/ مستوى التنظيم والجاهزية الفنية، والعملياتية، واللوجستية، التي تمتعت بها القوة الغامضة، والتي تبدت في سرعة السيطرة على مفاصل الحياة في المناطق التي اجتاحتها، يقول ان هذه القوة مدربة تدريبا ممتازا، ولديها معدات خاصة لا تتوافر لمجاميع جهادية، بل ثمة رائحة دول واجهزة، سهلت ودربت، وخططت، وزودت، حتى تمكنت هذه القوة الغامضة من بسط نفوذها على أراض ومدن عراقية بصورة تذكرنا فيها باحتلال بغداد من قبل القوات الأمريكية، التي سبقتها عمليات استخبارية وقصف جوي وكوارث، ما يشي بأن القوة الغامضة ليست إلا تعبيرا عن قوة مجهولة، صنعت هذا الإنجاز باحتراف وجاهزية عالية، لا تقدر عليها تنظيمات شعبية تضم أخلاطا من الشباب المتحمسين!
ثالثا/ إن كان ذلك كذلك؟ فمن هي هذه القوة الغامضة؟ ومم تتكون؟ للوهلة الأولى، ينصرف الذهن إلى بطش المالكي وسلوكيات حكومته ، كونها وفرت البيئة المناسبة لصناعة الثورة، او احتضان أي قوة غامضة لكي يتم تسهيل حركتها للخلاص من ذلك البطش الذي فاق كل تصور، ومن ثم، لا نستغرب ان تكون البيئة جاهزة لتبني اي تغيير، دون التدقيق في ماهيته، ما دام يتجه فورا إلى إطلاق سراح من تزخر بهم السجون من «مظاليم» عربا وعراقيين، بتهم جزافية، وما دامت هذه القوة الغامضة توفر تغييرا سريعا، يزيح تلك الصخرة الرابضة على صدور المجتمع السني العراقي، الذي ذاق الامرين من حكومة المالكي وأجهزته الأمنية، ولنتذكر هنا ذلك الحراك الشعبي الذي استمر شهورا ضد المالكي وتم قمعه بمنتهى البطش!
رابعا/ لا نستطيع ونحن في صدد فهم ما يجري تحييد عنصر النفط، والحراك الكردي، والتركي أيضا خاصة وان هناك مشاكل عالقة بهذا الشأن، تضررت منها أطراف، نتيجة سلوكيات حكومة بغداد بهذا الشأن، وربما فعل هذا العنصر فعله في تفجير الأوضاع في العراق!
خامسا/ يتوقع كثيرون ان تصل هذه القوة الغامضة إلى بغداد في غضون اسبوع او اقل، وإن حصل هذا التوقع، فنحن أمام حالة جديدة من حالات الثورة، والتمرد، يصنعه البطش والظلم والعسف وإراقة الدماء، وفي هذا ناقوس خطر لكل نظام ينتهج مثل هذا النهج الذي يبطش بخصومهم ويقصيهم، ويمعن في قهرهم، والمشهد مفتوح على مصراعيه لمزيد من المفاجآت، والتحليل ايضا!
(الدستور)