سياسة النصف خطوة وقتل الإبداع
عمر كلاب
14-06-2014 03:34 AM
مهارة الاردنيين الاستثنائية في نقد البرامج المطروحة والاعتراض عليها وابراز سلبياتها ، كرّست على المدى الطويل سلوكا سلبيا أكل من مهارة الابداع الاردني ودفع المُبادر او المُبدع الى التقوقع والانغلاق على نفسه، وصار المجتمع يعاقب صاحب الرأي بدل تطوير رأيه بالنقد، وصارت مهمة الآخر تفكيك وتكسير رأي مقابله وليس نقده وتطويره للبناء عليه، وتطور الامر الى حد الاستحياء من الحديث عن الايجابيات في الرأي او القرار خوفا من الاتهام بالتبعية او الذيليَة .
احباط الرأي المختلف او الجديد في الرأي والادارة كسر رغبة الابتكار وافضى الى محدودية الابداع الذي ميز العقل الاداري والسياسي الاردني، فتحول العقل العام من مبادر ومطور الى متلقي وذَيلي، بل وانتقل الى التراتبية التالية بعد ان كان في مركز متقدم بل والاول في الاقليم العربي، وشاهدنا بمرارة كيف سبقتنا مجتمعات عربية تدربت وتعلمت على ايدي الاردنيين .
تراكمات الظاهرة انتجت ما هو اسوأ، فبات الاردن يقطع نصف خطوة نحو الامام ويترك المجال مفتوحا لبتر الساق التي تجرأت على المشي أماما، فهناك انعكاس خطير لنصف الخطوة على المجتمعات، تتجلى عادة في التردد والشك والريبة في كل قرار او رأي، وعادت لغة الاتهامية لتسيطر على المشهد الاردني بكليته، وترسخ مفهوم السلبية في المشاركة خشية من التكسير او التهكم او الاتهام .
في العام 1989 من القرن الماضي خطى الاردن نصف خطوة نحو الديمقراطية وانتاج القيادات السياسية والمناطقية عبر بوابة الانتخاب ، ولكنها لم تكتمل بعد ان جرى العبث بإرادة الناخبين بالتشريع للصوت الواحد ثم التزوير في الصناديق ولاحقا استشراء المال الحرام، كذلك قطع الاردن نصف خطوة باتجاه الحياة الحزبية بإلغاء الاحكام العرفية وسرعان ما فرّخت الساحة السياسية عشرات الاحزاب التي اكلت الفكرة قبل ان تأكل نفسها نتيجة الاختلال في التشريع واضعاف البناءات الحزبية بدل فتح المجال لتنظيم صفوفها وتحالف المتآلف منها او المتشابه .
ولم يسلم الاقتصاد من سياسة النصف خطوة ايضا، فقد جرى السير نحو الخصخصة بطريقة ملائمة للحالة الاردنية عندما بدأ الاردن بخصخصة الادارات في الملكيات العامة دون الاقتراب من المُلكية نفسها « الاتصالات نموذجا « فإنفتحت خزانات الاسلاك وبات الهاتف الذي كان حلما اردنيا على قارعة الطلب، ووجدنا ان الاف الارقام محشوة في صناديق الترهل الاداري، وسرعان ما انقلبنا على خصخصة الادارة ببيع الجمل بما حمل وتركيب الشريك الإستراتيجي على اكتافنا رغم محدودية حصته « الفوسفات نموذجا «
ولم تسلم الوزارات من سياسة النصف خطوة، فظهرت على عجل ودون قراءة واعية الهيئات الموازية، وزارة الاتصالات وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات وهيئة النقل ووزارتها وباقي الهيئات الموازية للوزارات صاحبة الولاية ، وبقيت النصف الثانية من الخطوة معلقة في الهواء، فلا نحن الغينا الوزارة ولا حذفنا الهيئة، لتختلط المسؤولية ونلتهي بفض الاشتباك بين الوزارات والهيئات على حساب العمل والانتاج والتطوير .
سياسة النصف خطوة وارهاب الرأي الجديد او الفكرة الجديدة اوصلنا اليوم الى حالة اجتماعية واقتصادية تشبه كثيرا حلوى الجلي البلاستيكية فلا هي متماسكة ولا هي سائبة ولولا مسكها بالاناء الحاضن لانفلتت على الارض محدثة لزوجة ودبقا يصعب التخلص منه ولا بديل عن اكمال الخطوة او التراجع خطوة تنظيم ثم الانطلاق وهذا يتطلب فتح الباب للاراء المبدعة دون ارهابها بالنقد العبثي الذي يهدف الى النقد فقط .
(الدستور)