أمس، رأيت طالبا يغش في امتحانات الجامعة. كان ذا لحية طويلة تؤشر على التدين المفترض، وكنت واقفا على باب القاعة أتحدث مع الزميل أستاذ المادة، حيث أرى الطلبة في القاعة، في حين كان المدرس يتحدث معي في شأن الامتحانات.
صرخت غاضبا: أنت، عيب عليك وحرام! ترك الطالب القاعة، وجاءني الى المكتب ليوضح أن "الغش ليس حراما. هات دليلك على أن الغش حرام"! وهددني وطلب مني أن احترم نفسي لأني قلت إن الغش حرام!
كيف نأمن على هؤلاء غدا عندما يكونون مدرسين أو محاسبين أو موظفين، أو حتى بائعي قهوة في الشارع؟! إذا كان الغش ليس حراما، فما الذي يمنع هذا المتدين الجريء حتى على أساتذته ليهددهم، أن يقدم للناس قهوة عفنة، أو يبيعهم طعاماً فاسداً؟! كيف ستأمن أن زوجتك او ابنتك أو أختك أو أي مواطنة تركب مع سائق تاكسي يعتقد أنه يمكن أن يسبي بنات الناس ويبيعهن؟ من قال إن ذلك حرام؟! ومن يملك دليلا على حرمة بيع الجواري؟
من يضمن لك أن صيدلانيا يعتقد أنك كافر، وأنه في وسط مجتمع جاهلي والعياذ بالله، لا يبيعك دواء لا تدري ما هو، فيقبض ثمنه منك ثم أنت تشرب "السم الهاري"؟! كيف ستشتري شيبسا أو آيس كريم لأولادك وهم يلحون عليك أن تشتري لهم، وأنت تخشى أن يكون هذا البائع لا يحل حلالا ولا يحرم حراما؟
هناك جماعات وأفراد يعيشون بيننا ولكنهم لا يؤمنون بما نؤمن به! لا يرون القانون الذي نلتزم به ملزما لهم، ولا يرون القيم التي نحترمها جديرة بالاحترام! إذا كان الغش ليس حراما، فماذا يتبقى من قيمة نحترمها؟! ماذا ترك لنا هؤلاء من قيمة أو فكرة أو قانون نحترمه؟! كيف ستتعامل مع الناس وأنت لست متأكدا من أنهم لا يعتقدون أن الغش حرام؟ كيف ستأمن على نقودك في البنك، وعلى سيارتك في الكراج؟ كيف ستصدق الميكانيكي والسباك والكهربائي والمعلم والطبيب، وأنت لا تعرف إن كان يعتقد أن الغش حرام أو حلال؟ كيف ستشتري الحمص والفلافل وأنت لا تعلم إن كان هذا البائع لا يؤمن أن الغش حرام؟ كيف ستثق بجارك أو تأمن له؟ كيف ستدع طفلك يلعب مع زملائه أو يذهب إلى مدرسته؟
أسوأ من الغش بكثير الاعتقاد بأنه ليس حراما!
(الغد)