في الزيارةِ التاريخيّةِ الكريمة لقداسته إلى دولِ المنطقةِ بشكلٍ عام وإلى المملكةِ الأردنيّةِ الهاشميّةِ بشكلٍ خاص، وحيثُ كان في ضيافةِ حفيدِ رسولِ الله جلالة الملكِ عبدُالله الثاني حفظه الله ورعاه دعا قداستُهُ بتأكيدٍ لا يقبلُ التأويلَ إلى التعايش والسلام والتفاهم والتعاون بين جميعِ المواطنين أبناءِ الدياناتِ السماويَّةِ الثلاث، كما أكّد على ضرورةِ الحوارِ الهادئ الدائم وبودٍّ وعقلانيّةٍ وبعيداً عن الكراهيَة والأحقادِ أو الإدعّاءِ باحتكار الحقيقة.وكذلك فإنه لابدّ من التركيزِ على ما يجمَعُنا وليس ما يفرِّقنا كشعبٍ نعيشُ معاً في وطنٍ واحدٍ وتحتَ سماءٍ صافيةٍ واحدة.

إنَّ السيرَ في اتجاهٍ يخالفُ هذهِ الدعوةِ النبيلة سيصل بنا حتماً إلى تفتيتِ المُفَتَت وتجزِئَة المجزأ في مكوِنات المجتمَع الواحدِ أو الطائفةِ الواحدةِ والتشرذم لا ينفَعُ أحداً.

كما وأنَّ بعضَ الممارسات الفرديَّةِ أو بعض المجموعاتِ الصغيرةِ والتي لا تتفقُ مع دينٍ أو مبدأ خير، والذين يتوهمون بأنهم ينالونَبعضَ المكاسبِ الماديَّةِ أو المعنويَّةِ إنما هم في واقعِ الحال يزرعونَ بذورَ فتنةٍ اجتماعيةٍ قد يطولُ مدى الخلاصُ منها "وماذا ينفعُ الانسان لو ربح العالمَ وخسِرَ نفسَهُ".

وحيث أنَّه من غيرِ المنطقي أن يتعاملَ الناسُ بروحٍ عدائيةٍ أو مشاعرَ انتقاميةٍ لا تمُّتُ إلى الإنسانيةِ بشيء وخاصةً عندما يكونُ الموضوع بكليَّتهِ يتعلّقُ باختلافٍ في الرأي في قضيَّةٍ عامَّةٍ أو أمرٍ مجتمعي يتلخصُ في تحقيقِ مَطالبٍ يرى أصحابُها بأنها حقٌّ وعدلٌ، وأنَّ المماطلة في تحقيقها أو تنفيذها قد تكونُ سياسةً مُبرمَجَةً بِقَصدِ عدمِ الوفاء بها.

قداسة البابا كذلك يدعو إلى توحيد الكنائس فالإيمان واحد، بينما الواقعُ يتناقَضُ مع هذه الدعوةِ المُخلِصَة، فبعد أن كان عدد الكنائسِ ومنذ عهد قريب ثلاثة رئيسة فقد تجاوزَ عددها الآن العشرين في بلدٍ كالأردن، والأغربُ والأعجبُ أن بعضَ هذهِ الكنائسِ أصبحت تسمّى بأسماء أشخاصٍ يديرونها، وهذهِ قضية دينيَّة مستغربة، والأصلُ أن يكون رجالُ الدين القدوةَ الحسنة بإيمانهم وسلوكهم وإدارتهم لشؤون كنائسهم.

وأخيراً فإن الأغلبيَّة من أبناء الطوائفِ المسيحيَّةِ هنا، تشعرُ بالأسى والأسف لبعضِ هذه الممارساتِ والجميعُ يتمنى تحكيمَ العقلِ والعملِ المشترك بصفاءِ عقلٍ ونقاءِ ضمير والعودةِ إلى الحوار الهادئ في كلِّ مجالات الإختلاف وحتى لا يتحوّل نداء قداسةِ البابا إلى صرخةٍ في البريّة.

إنَّ خِدمةِ الوطن واجب مقدَّس والوطنُ دائماً بحاجةٍ إلى جهد أبنائه المخلصين القادرين على العطاء، ولابدّ أن نعملَ جميعاً بكلِّ الجدِّ والأمانةِ ليحيا الجميعُ بطمأنينةٍ وأمان في مجتمعٍ يسوده العدلُ والسلام الإجتماعي، وأن لا تغيبَ عن أبنائه رؤى التفاؤل والأمل بالغدِ المُشرق والمستقبلِ الأفضل في ظلّ القيادةِ الهاشميَّةِ المظفَّرة ورائدها صاحبُ الجلالةِ الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه.