سائق التاكسي الذي أقلني لمدة دقائق من السوق إلى باب منزلي لم يستطع أن يصمت دون أن "يفضفض" ولو بكلمات قليلة، سألني من أي عرب أنت؟ لم أجب، استرسل: إحنا عرب مخصيين، لم أجب، استرسل: ما فينا ولا زلمة، كنت احسب أنه يريد أن يتحدث عن محرقة غزة، شجعه صمتي على أن يضيف: ولو يا زلمة الدنيا ولعت وما حد حكى شي، ولا حد قال أخ!أثار فضولي ما قال: قلت له: ماذا تعني بالضبط؟ قال: الأسعار، الكاز، البنزين، الدنيا ولعة، "غربه" الناس بتموت بالجملة، واحنا بالمفرق!
استفزني قليلا، سألت: شو جاب لجاب، هناك احتلال، سارع للقول: يا زلمة فلقتونا، أنت شو بتشتغل؟ قلت: صحفي!
فجأة أوقف السيارة، وأطفأ المحرك، وكأنه وقع على صيدة: صحفي؟ طيب خذ، أرجو أن توصل ما أقول، قاطعته: يا زلمة أوصلني إلى البيت دخيلك، فقال: مش قبل ما أفش غلي!
قلت: فش، بس بسرعة، قال: يا أخي، مشان ألله تقول لهم، إحنا مش طايقين حالنا، بدنا نتفجر، بينا وبين الجلطة سن، بشعر إني مش زلمة، كأني مخصي، فش ولا صوت يحتج على اللي بيصير، يا جماعة بدنا ننفس شوي، طنجرة الضغط لها منفس، إحنا لأ، قلت له: القصة فقط قصة منفس؟ سارع إلى القول: لأ طبعا، بس بدنا شي يشعر المسؤول انه في شي غلط، بدنا ناس تقول أخ على الأقل، سالته: أنت مستعد تشارك؟ قال: دخيلك دلني على أي طريقة أعلن فيها موقفي، نفسي أقف في منتصف أوتستراد وأطفي محرك السيارة وأعلن احتجاجي، بس مش أكون وحدي!
قلت له: وماذا يفيد احتجاجك؟ رفع حاجبيه قائلا: ول يا أستاذ أنت سيد العارفين، بدنا يشعر المسؤول أنه الناس مازالت أحياء، وبتتوجع، عشان ما يزيدوها علينا، بكفي دخيل الله!
كان بيني وبين البيت بضعة أمتار، نزلت من السيارة، دون أن أدفع له، تذكرت، مددت يدي إلى المحفظة، قال لي: لأ، مش أنت صحفي؟ قلت: نعم، قال: إذن أنا متبرع بالأجرة لأهل غزة! وصلها إذا بتعرف!
helmi@naba.net