في ذكرى حرب حزيران .. (3)
د. محمد المناصير
11-06-2014 03:32 AM
لقد مني العرب بهزيمة منكرة في حرب حزيران 1967 ، وكانت الهزيمة مرة على الأردنيين خاصة ، فقد خاض الأردن المعركة في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي في العدة والعدد والعتاد وسيطرة سلاح الجو الإسرائيلي التامة على الأجواء واتساع الجبهة الأردنية حيث كانت تمتد على طول 300 ميل وعدم إمكانية تغطية الجبهة بالقوات المسلحة ، والأخطاء والأوامر المرتجلة والمتضاربة لقائد الجبهة الأردنية الفريق عبد المنعم رياض ؛ مما أدى إلى إرباك القوات الأردنية وتعرضها للقصف المباشر من سلاح الجو الإسرائيلي خاصة بقنابل النابالم المحرقة الممنوعة دوليا ، وقد كانت خسائر قواتنا خاصة في قاطع جنين أكثر مما تحتمل ، فقد تعرضت قطعات من جيشنا للإبادة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي الذي سيطر على الأجواء ، بعد كارثة تدمير جميع السلاح الجوي المصري ، وتدمير الطائرات الأردنية التي أثبتت فاعلية قتالية عالية وقصفت مطارات العدو ومدنه الهامة ، إلا أن تدمير مدارج الطيران في عمان والمفرق أفسح المجال لتدمير باقي الطائرات وهي على ارض المطار ، حتى أن الشهيد الطيار فراس العجلوني ضرب مثلا رائعا في التضحية وروحا قتالية عالية ، فقد أغار على مطارات ومدان العدو عدة مرات ، وقاتل طيران العدو واسقط مع زملائه العديد منها ، إلا انه لم يتمن من الإقلاع في إحدى المهمات حيث قصفته طائرات العدو وهو على مدرج المطار في قاعدة المفرق الجوية . كما كان من أسباب الهزيمة التفوق الفني والتقني والأسلحة والتدريب ، وكان الحرس الوطني وأفراد التجنيد الإجباري يشكلون أكثر من نصف جيشنا حيث تنقصهم الخبرة ويعوزهم التدريب والاحتراف .
وقد كانت الحرب على شكل ( فزعة ) من قبل الأشقاء في مصر وسورية ( عليهم ... عليهم ) دون استعداد . وفي الوقت الذي زج به الجيش الأردني في أتون المعركة ؛ كانت جيوش باقي العرب تنتظر ، وتتلكأ في تنفيذ الأوامر، فنقلت إسرائيل أربعة ألوية من قبالة الجبهة السورية إلى الجبهة الأردنية ؛ حيث كانت قوات العدو تواجه قتالا عنيفا ودفاعا مستميتا من قبل القوات الأردنية ، أي أن إسرائيل رمت بثقلها العسكري على الجبهة الأردنية ، ثم عادت بعد تحقيق أهدافها لاحتلال الجولان ، وكان نصف جيش مصر يحارب في اليمن وهو 70 ألف جندي مصري دون مبرر .
أما جمال عبد الناصر فقد حاول تسيس المعركة إلا أن ذلك لم ينطلي على الرئيس جونسون عام 1967والمؤيد الرئيس لإسرائيل ، بينما انطلت محاولات عبد الناصر السياسية على الرئيس أيزنهاور عام 1956 إبان العدوان الثلاثي فقد كان الرئيس عبد الناصر يعتقد عام 1967 أن الحرب الشاملة لن تقع ، وقد اعترف كل من محمود رياض وزير خارجية مصر أثناء الحرب وصلاح نصر رئيس المخابرات ، إن النظام يتحمل مسؤولية الهزيمة ، وقال هيكل إن عبد الناصر " مشى إلى الفخ بقدميه " وقد اعترف عبد الناصر بخطئه وأعلن مسؤوليته وأعلن تنحيه عن الحكم إلا أن الجماهير طالبت بعودته إلى سدة الحكم ، في حين أثنى على شجاعة الملك الحسين وجيشه وشعبه .
لقد خاض الجيش الأردني المعركة التي يسميها الأعداء " معركة الأردن " فالأردن هو الوحيد الذي كان يحارب بجدية واقتدار وقد لقن العدو دروسا في فن الملاقاة والمواجهة ، مما تسبب في إنهاك قواتنا المسلحة الأردنية التي تحملت عبء المعركة ، وقد اعترف الرئيس عبد الناصر بشجاعة الجندي الأردني وحربه في ظل التفوق البري والجوي الإسرائيلي . فقد خاض الأردن الحرب إلى يوم 7 حزيران عندما أعلن عبد المنعم رياض الانسحاب الشامل للقوات العربية ومن ضمنها الجيش الأردني .
وبعد انسحاب قواتنا الباقية بعد الحرب نشرت وحداتها الباقية على طول الجبهة ، وخاصة الألوية الستة التي كانت تحتفظ بمعظم قوتها وهي ؛ لواء الحسين ولواء الحرس الملكي ولواء القادسية ولواء حطين واللواء المدرع 60 ، بينما احتاجت الألوية الأخرى أكثر من شهر لإعادة تنظيم صفوفها . كما وصلت إلى الأردن أربعة ألوية عراقية بعد الحرب بثلاثة أيام ، كانت تضم 15 ألف جندي تشكل " قوات صلاح " التي تم نشرها داخل البلاد وعلى الحدود .
كما استعان الأردن بعد الحرب ببعثة عسكرية باكستانية برئاسة اللواء محمد ضياء الحق الذي أصبح رئيسا لباكستان فيما بعد ، وقد ساعد العسكريون الباكستانيون بإعادة تنظيم القوات الأردنية المسلحة . فقد أعاد الأردن تنظيم قواته في فرقتين هما فرقة المشاة الأولى بقيادة العميد مشهور حديثة الجازي والحق بها اللواء المدرع 60 وفرقة المشاة الثانية بقيادة العميد عاطف المجالية والحق بها اللواء المدرع 40 . والغي منصب القائد العام واستعيض عنه بمنصب رئيس هيئة الأركان وعين الفريق حابس المجالي وزيرا للدفاع وعين اللواء ناصر بن جميل مستشارا عسكريا للملك الحسين . وكان اللواء المدرع 60 قد فقد معظم دباباته في الحرب عدا 40 دبابة أما اللواء المدرع 40 فلم يبق منه إلا 8 دبابات بعد الحرب .
وقد قامت العراق بإهداء الأردن بعض الدبابات والمدافع . وقامت السعودية بتمويل ثمن صفقة من الأسلحة لتعويض قواتنا على الأسلحة التي خسرتها في حرب حزيران ، ففي عام 1969 تسلم الأردن 300 دبابة و18 طائرة من طراز F104 و 24 طائرة هوكر هنتر ، واكتمل تعداد الجيش عام 1970 بـ 65 ألف جندي ، حيث تم تشكيل فرقتين مدرعتين إضافة لفرقتي المشاة هما فرقة المدرعات الثالثة وفرقة المدرعات الرابعة الآلية .
وقام الأردن بعملية تبادل الأسرى بإشراف منظمة الصليب الأحمر الدولية مع العدو في 27 حزيران 1967 ؛ فقد سلم الأردن لإسرائيل طيارين إسرائيليين وتسلم الأردن 442 أسيرا فيما بقي 25 أسير يتلقون العلاج في المستشفيات الإسرائيلية .
وقد تعرض الأردن لسيل من النازحين الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة ؛ ابتداء من يوم 7 حزيران ، فقد أعلن العدو تهديده للسكان وطلب منهم المغادرة حفاظا على حياتهم ، وخاصة من مخيمات عقبة جبر وعين السلطان والعوجا والأغوار ، فقد كان مخيم عقبة جبر يضم 70 ألف لأجيء من عام 1948 ، وقد وصل إلى الأردن حتى يوم 19 حزيران قرابة 100 ألف نسمة ، وحاولت إسرائيل نقل سكان غزة وخاصة مخيم الشاطئ الذي يضم 70 ألفا إلى الأردن .
وقد تعرض سكان فلسطين للنزوح بالقوة من قبل العدو خاصة من القرى الأمامية في جنين وطولكرم وقلقيلية والخليل . إلى أن وصل عدد النازحين حسب إحصاء عام 1968 إلى 354 ألف نسمة بينهم 38 من سكان قطاع غزة ، وصل إلى الأردن منهم 150 ألف من سكان الضفة الغربية حتى نهاية شهر حزيران . وقد قامت إسرائيل بعد ثلاثة أيام من انتهاء الحرب بتهجير السكان وتدمير قرى كاملة أهمها خمس قرى هي ؛ يالو وزيتا وبيت نوبا وعمواس وبيت عور ، فقد أزالت هذه القرى من الوجود ، كما دمر العدو أجزاء من قلقيلية وصوريف وفي 27 حزيران أعلنت ضم القدس نهائيا إلى إسرائيل .
وقد شجع الرئيس جمال عبد الناصر الملك الحسين لاستعادة الضفة الغربية بالطرق الدبلوماسية ، فنشط الملك يزور الأمم المتحدة ودول العالم المؤثرة ، وقابل الرئيس جونسون إلا أن جونسون طلب من الملك إجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل حيث لم يوافق الحسين .
والتقى الزعماء العرب في مؤتمر القمة العربية الرابع الذي عقد في الخرطوم من 29 آب إلى 1 أيلول 1968 ، شارك فيه 13 رئيس دولة وزعيم عربي ، فيما لم تحضره سورية ، والجزائر، والمغرب ، وليبيا ، وتونس ، والأمين العام لجامعة الدول العربية ، فيما انسحب احمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من المؤتمر . وقد أعلنت في المؤتمر اللاءات الثلاثة ؛ لا صلح مع إسرائيل ، ولا اعتراف بإسرائيل ، ولا تفاوض مع إسرائيل . وقررت ثلاث دول عربية تقديم مبالغ مالية لإزالة أثار العدوان هي ؛ السعودية 50 مليون جنيه ، والكويت 55 مليون ، وليبيا 30 مليون جنيه إسترليني . وقد كانت حصة مصر 95 مليون جنيه ، وحصة الأردن 40 مليون جنيه ، وقد تصالحت مصر مع السعودية في المؤتمر وتعهدت بسحب قواتها من اليمن .
وبعد مؤتمر الخرطوم واصل الحسين مساعيه لشرح وجهة النظر العربية ، ولتامين انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة . إلى أن تقدم اللورد كاردون ممثل بريطانيا في مجلس الأمن بمشروع قرار 242 ، ووافق عليه المجلس في 22 تشرين الثاني 1967 وقد قبل الأردن ومصر القرار بعد أن أخذا تعهدا من الولايات المتحدة بتطبيقه خلال ستة أشهر .
أما في الأردن؛ فقد كانت الحكومة الأردنية قد طبقت تعليمات الإدارية العرفية ابتداء من 5 حزيران 1967؛ فقد عين رئيس الوزراء سعد جمعة آنذاك حاكما عسكريا عاما في المملكة، وعين وزير الداخلية معاونا له . ثم جاءت حكومة بهجت التلهوني في 7 تشرين الأول 1967 واستمرت إلى آذار 1969 .
وقد أبقت إسرائيل الجبهة الأردنية ملتهبة بعد الحرب مباشرة باعتداءاتها المتكررة على الأردن برا وجوا ، فقد استمرت رماية الرشاشات وقصف المدفعية يوميا للمواقع العسكرية وللسكان المدنيين ، وقد شملت الاعتداءات كافة الجبهة والقرى الأمامية والمخيمات ؛ وخاصة مخيم غور نمرين وقرية الكريمة وقرية معدي ومخيم النازحين في الكرامة والشونة الجنوبية والمشارع وداميا وجسر الملك الحسين وقصفت مرتفعات السلط وعجلون واربد بواسطة الطيران الحربي . وقد قامت حرب استنزاف واختبار لقوة الطرفين استمرت إلى أواخر عام 1967 وطوال عام 1968 ، واستمر العدو بحشد قواته على طول الجبهة خاصة اللواء السابع المدرع الإسرائيلي ، ولواء المظليين 35 ، ولواء الدروع 60 ، ولواء المشاة 80 ، وخمس كتائب مدفعية ميدان عيار 105 ملم ، وطائرات حربية ميراج وهيلوكبتر، وأصبح الموقف متوترا على طول الجبهة ، وقواتنا ومدفعيتنا ترد على العدوان في حرب الاستنزاف التي كانت تهدف لشل حركة قواتنا ، وتدمير اقتصادنا في الأغوار، وللتمهيد لاحتلال المرتفعات الغربية من الأردن لتهديد العاصمة عمان .
وقد وضع الأردن خلال هذه الحرب إمكاناته تحت تصرف منظمة التحرير الفلسطينية ، وكانت عمليات المقاومة تتم تحت ساتر من القصف المدفعي الأردني ، وبدعم من قطعاتنا المسلحة ، والتمهيد لعمليات العبور ، وتغطية الانسحاب للمقاتلين الفلسطينيين على طول الجبهة ، وتقديم الأسلحة والذخائر للفدائيين في عملياتهم ، حتى أن الملك الحسين أعلن إلى العالم : " إننا كلنا فدائيون " وسهل الأردن للشعب التجنيد في صفوف المنظمة ؛ حتى أن الأردن أعفى من ينتمي للمنظمات من التجنيد الإجباري .
وقد ضاقت إسرائيل ذرعا بالأردن فوجه ليفي اشكول رئيس وزراء العدو إنذارا للأردن قائلا : " إن لصبر إسرائيل حدا ، وان دماء جنوده ومواطنيه لن تذهب هدرا " . وقد هاجمت إسرائيل القرى الأردنية بوحشية ، وكان ذلك مقدمة لعدوان شامل نفذته إسرائيل في آذار 1968 في الكرامة والتي ستكون موضوع حلقتنا القادمة إن شاء الله .