ضحكني حالة الانفصام، التي تمارسها، دول، وساسة، ونواب وأعيان، وقنوات فضائية، ووكالات عالمية وعربية، وأحيانا محللون وكتاب، لاقناعنا، نحن المتابعين والمتلقين، بوجهات نظرهم ودفاعهم عن "الحريات والديمقراطية" كما يقولون، ومعاداتهم لـ"الدكتاتورية وحكم الفرد"، بحسبهم.
بطبيعة الحال، لا تضحكني المطالبة بالحرية والديمقراطية، الخارجة من فم صادق، والنابعة من أشخاص يملكون خطا واضحا، وسيرورة ديمقراطية لا يحيدون عنها، ويدافعون عنها سرا وعلنا، وفي كل مكان، ولكن يضحكني الانفصام، الذي يمارسه أولئك، وخاصة عندما تسمعهم يطالبون بالديمقراطية والحرية، في مكان ما، وهم أنفسهم يؤيدون الفردية وكبت الحريات، وحكم العسكر في مكان آخر!
عجبا من أولئك الذين يريدون منا أن نصدقهم، ونتبعهم، ونردد ما يقولون، وكأننا بلا عقل، وكأننا لا نجيد التفكير والتفكر! وكأننا ننتظرهم لكي نتبصر، ومن سم كلامهم نتثقف.
أيها السادة.. خاب ظنكم، فقد بتنا نعرف كيف تفكرون، ولصالح من تنطقون، ومن أي مكان تتحدثون، ونعرف أيضا أنكم موجودون بيننا، لكي تغرسوا فينا ما تعتقدون.
سادتي، اخرجوا من شراييننا، فقد اكتشفنا حقيقتكم، وبتنا نعرف منطقكم، وأي الدول تدعمون، ونعرف يقينا، متى تفتحون أفواهكم، ومتى لا تنطقون، ومتى تهاجمون هذا، ومتى ذاك تؤيدون.
نحن نؤمن بأننا بخير، طالما كان جارنا بخير، ونؤمن، سادتي، ان ياسمين الشام إنْ ذبل، ستحزن له حارات عمان، وقواوير بيوتها العتيقة، ونؤمن أيضا أن جرح القدس النازف لا تداويه مزاوداتكم، ولا بطولاتكم "الدنكشوتية"، ولا سهام قنواتكم، التي لم ولن ترى أن (اسرائيل دولة) محتلة! وأن الاقصى أسير، وأن هناك شعبا ما يزال رابضا تحت الاحتلال، منذ أكثر من 65 عاما. نعم، فقد خبرناكم وعرفناكم، واكتشفنا حقيقتكم، وما غزو لبنان وغزة عنا ببعيد، ألا تذكرون، أو تتفكرون.
سقط القناع، وتعرت المواقف، وانكشفت أغطية الرؤوس، فلم تعد صيحات التلفيق والتزوير تنفع كثيرا، ولا الكلام عن الديمقراطية، التي بها تتمسحون، فلا يستقيم أن تتحدثوا عن الديمقراطية في هذا البلد أو ذاك، وأنتم في مكان آخر، لا يجوز لكم حتى أن تحلموا فيه بالديمقراطية، فلن تقنعونا بكلامكم عن الديمقراطية والمدنية والعلمانية، والحريات العامة، وحرية القول والفعل والمعتقد، والمطالبة بها في دول معينة، وتغضون النظر عنها بدول أخرى، فلماذا بنا تستهزئون.
ترى.. ماذا فعلتم بشأن الأقصى، الذي قارب أن يهدم؟! ماذا فعلتم من أجل معاقبة اسرائيل، التي تقضم الارض وتقتل النسل وتحتل الاوطان، وتحارب الأسرى؟! ماذا فعلت علاقاتكم الدولية لإدانة كيان محتل، يدنس يوميا مقدساتنا، ويعتدي على قبلتنا الأولى؟! ماذا فعلتم مع استراليا، لكي تعود عن موقفها، برفع صفة الاحتلال عن مدينة القدس المحتلة؟! هل طالبتم بمعاقبتها، أو معاقبة اسرائيل، كما طلبتم بمعاقبة دول عربية في وقت سابق؟! وهل سبق أن طالبتم بتدخل دولي لإرغام اسرائيل على تنفيذ قرارات دولية، كما علت حناجركم من خلال قنواتكم، ومحلليكم، الذين طالبوا مرارا وتكرارا بضرب حواضن عربية.
مهما صنعتم، ومهما استطعتم ان تحشدوا وراءكم من مؤيدين، فان حقيقتكم ستكتشف، وسنعرف لاحقا أن ما صنعتموه في الوطن العربي، لم يكن الا مجرد فوضى خلاقة، بشرت بها الادارة الاميركية قبل حين، وانتم نفذتم، فخلقتم اعداء جددا، متسلحين بإثارة عصبيات جاهلية، كما فعلتم مع إيران، أو بعصبية طائفية ومذهبية، كما تفعلون في لبنان والعراق وسورية، وكل هذا هدفه، تشتيت الانتباه عن قضايا أخرى تخلقونها أنتم، والنتيجة بقاء اسرائيل، وقتل أي حلم ولو كان صغيرا.
(الغد)