التأمين الصحي ضروري لأي مواطن خصوصا في ظل غلاء أسعار الأدوية والإقامة في المستشفيات لكن من غير المعقول أن يكون الطب مجانيا مئة بالمئة لأن هذا النوع من الطب يتسبب في هدر كبير جدا للمال العام وهذا لا يعني أننا نطالب بإلغاء التأمين الصحي بل يجب أن يساهم المواطن بشكل أو بآخر ولو بشكل رمزي بتكاليف العلاج وهذا الذي نقوله لن يعجب عددا كبيرا من المواطنين لكن يجب تغليب المصلحة العامة ومصلحة الوطن على المصلحة الشخصية.

لقد سمعنا قصصا عن هدر غير مبرر بسبب العلاج المجاني وقد روى لي أحد الأطباء المسؤولين في إحدى مؤسساتنا الطبية الكبيرة أن بعض الأشخاص المتنفذين كانوا يدخلون آباءهم أو أمهاتهم إلى المستشفى وهم ليسوا بحاجة للعلاج ولكن ليبعدوهم عن المنزل لأسباب عائلية ويظلون في هذا المستشفى لثلاثة أو أربعة أشهر لأنهم لا يدفعون عليهم فلسا واحدا علما بأن تكلفة الإقامة في المستشفى حتى بدون علاج أكثر من مئة دينار في اليوم الواحد فلو كانت هناك أجرة رمزية لغرفة المستشفى ولو عشرة دنانير أو خمسة عشر دينارا في اليوم لما وضع هؤلاء آباءهم أو أمهاتهم في المستشفى بدون أن يكونوا مرضى.

وأبلغني نفس هذا الطبيب بأنه عندما كانت الأدوية تصرف بشكل مجاني كان بعض المرضى يطلبون عدة أنواع من الأدوية ويختلقون أمراضا ليست فيهم لكن عندما وضع سعر رمزي للأدوية صار هؤلاء المرضى لا يأخذون إلا الأدوية التي يحتاجونها.

في عيادات وزارة الصحة نرى بعض المرضى وهم خارجون من إحدى هذه العيادات وهم يحملون كميات كبيرة من الأدوية وهذه الأدوية من المستحيل أن تكون لاستعمال شخص واحد لكن بعض هؤلاء المرضى يطلبون من الأطباء أدوية على سبيل الاحتياط كالمضادات الحيوية أو المسكنات أو أدوية السعال وبعض الأطباء مع الأسف يصرفون لهؤلاء المواطنين كل ما يطلبونه من أدوية بل إن البعض منهم هم الذين يبادرون بسؤال المريض فيما إذا كان يريد بعض الأدوية الإضافية.

أما عن الفحوص المخبرية فالمريض يكون بحاجة أحيانا إلى فحص للدهنيات على سبيل المثال فيقول له الطبيب ما رأيك أن تعمل فحوصات كاملة فيكتب له جميع أنواع فحوصات الدم والمفاصل والغدة الدرقية والـ«ب 12» وغيرها من الفحوصات التي لا يحتاجها المريض وهذه الفحوصات لو أجراها هذا المريض في أحد المختبرات الخاصة لكلفته حوالي المائتي دينار.

الطب المجاني فيه هدر كبير للمال العام وهدر للاقتصاد الوطني ولجهد الأطباء والممرضين وفنيي المختبرات وللأجهزة الطبية وهذا الهدر غير مبرر أبدا فلو كانت هناك بعض الأثمان الرمزية للأدوية وللفحوصات المخبرية وللإقامة في المستشفيات لفكر المواطنون ألف مرة قبل أن يستغلوا الطب المجاني من أجل الحصول على أدوية على سبيل الاحتياط أو إجراء فحوصات مخبرية ليسوا بحاجة اليها.
(الدستور)