للمرة الأولى في تاريخنا العربي المعاصر يسلم المستشار أمانة الرئاسة للمشير، في تداول سلمي للسلطة قد يدشن حقبة جديدة من فقه الحكم وأدبياته.
المستشار عدلي منصور ظفر بعد عدة أشهر من توليه المؤقت والانتقالي لمنصب الرئيس بما يشبه الإجماع من التقدير والاعتراف بالنزاهة والزهد وتغليب العام على الخاص والشخصي بحيث استحق ما يطلق عليه من ألقاب في بلاده ومنها القاضي العادل!
والمشير الذي أصبح الرئيس الثامن لمصر أعلن قبيل فوزه في الانتخابات عن رغبته في أن يبقى المستشار في دائرة القرار، لكن الرجل على ما يبدو حسم أمره ليعود إلى منصبه السابق كرئيس للمحكمة الدستورية أو إلى منزله.
ثنائية المستشار والمشير تستحق التأمل والتحليل بعيداً عن طقوس الاحتفاء والبروتوكول، فما تفاجأ به المصريون هو وجود رجل كعدلي منصور في الوسط القضائي، والحقيقة أن هناك في تاريخ مصر الحديث ما حجب الكثيرين من أمثال هذا الرجل، فمصر كما يقول أهلها ولاّدة، لكن النظم المشبعة بالبيروقراطية، وفزعة الاحتكار والاستحواذ تحجب كفاءات لا حصر لها، وما يصدق على مصر يصدق بدرجات متفاوتة على شقيقاتها العربيات.
لقد استوقفني نبأ عابر في نشرات الأخبار المثقلة بالدماء والأحداث الجسام وهو بسيط في ظاهره، عندما رفض أحد أبناء عدلي منصور أثناء عودته من السفر خارج مصر أن يدخل صالة كبار الزوار، فالابن كما قيل دائماً هو سر أبيه.
دمعت عينا هذا الرجل وهو يتحدث عن الدم الذي نزف من خاصرة بلاده فتجاوب معه الناس بدموع أخرى لأن الشعوب مهما عانت من التنكيل والتجهيل والتهميش تحتفظ بفطرتها السلمية والنظيفة وتستطيع أن تحزر الفارق بين دموع التواكل ودموع التماسيح.
وإذا صح أن الخروج من الحمامات ليس كالدخول إليها فمن باب أولى أن نقول أن الخروج من حمامات الدم ليس كالدخول إليها، لهذا فالعالم العربي قد يصبح الوطن العربي بعد أن فككوا هويته تارة تحت عنوان الشرق الأوسط وتارة أخرى تحت عنوان العالم الثالث.
بالتأكيد لن تذهب تلك الدماء سدى ولم يكن المطر في غربال، لكن القماشة البيضاء التي بين أيدينا كالورقة العذراء تصلح كفناً أو راية استسلام أو ثوب زفاف!!!
(الدستور)