كما كان متوقعا، شارك الملك عبدالله الثاني في حفل تنصيب عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر. وسبق لجلالته أن التقى به عندما زار القاهرة بعد أيام من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي. يومها، اجتمع الملك بالرئيس المؤقت عدلي منصور، لكنه التقى على انفراد بالسيسي. وخلال الأشهر الماضية، كان الملك والسيسي على اتصال مستمر. وعندما ترشح الأخير للانتخابات، تلقى نصائح ثمينة من الملك. ومن المتوقع أن تكون عمان من أولى محطات السيسي الخارجية، بعد السعودية التي سيزورها قريبا.
كان الأردن قريبا جدا من التطورات التي حصلت في مصر بعد سقوط نظام حسني مبارك. لم يكن خبر سقوطه سارا للساسة الأردنيين، لكنه كان حدثا متوقعا، وقد تنبأ به سفير سابق في القاهرة قبل وقوعه بسنة وربما أكثر.
من ثوابت السياسة الأردنية أن لمصر دورا قياديا في العالم العربي لا ينبغي لأي دولة أن تنازعها عليه. هذه القناعة لم تتغير بتغير الرؤساء في مصر، أو بشكل علاقتهم بالأردن؛ فعندما علم الملك الحسين، رحمه الله، بنية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر شن حرب على إسرائيل في العام 1967، توجه على الفور إلى القاهرة رغم تردي العلاقات بين البلدين، ووقع على الفور اتفاقية دفاع مشترك، ووضع الجيش الأردني تحت إمرة قائد مصري.
ولما ساءت العلاقات مع نظام أنور السادات بعد "كامب ديفيد"، كان الأردن من أوائل الدول العربية التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع القاهرة. في عهد مبارك، كانت الحساسيات كثيرة، لكن الأردن ظل حريصا على عدم مزاحمة مصر على دورها المحوري في مختلف قضايا المنطقة، مع أن الملك الحسين رحل عن الدنيا وهو يشعر بالغضب من موقف مبارك في حرب الخليج الأولى العام 1991.
تشبه السياسة الأردنية في هذا المجال السياسة السعودية. فمع أن السعودية دولة كبيرة في المنطقة، وغنية وتملك نفوذا واسعا، إلا أنها حرصت دوما على احترام دور مصر التاريخي.
اليوم، يشعر الأردن بأعباء اللحظة التاريخية، وحجم المخاطر الناجمة عن حالة عدم الاستقرار التي يمر فيها الاقليم؛ ويرى في حضور مصر القوي في المشهد مطلبا ملحا لا يمكن تجاهله. فهل تكون مصر في عهد السيسي مستعدة لاستعادة دورها القيادي؟
يعتمد ذلك على عوامل كثيرة، أهمها قدرة النظام الجديد على احتواء الأزمات الداخلية، وتحقيق المصالحة الوطنية؛ فمن دون استقرار الجبهة الداخلية وتماسكها، لا يمكن للقاهرة أن تلعب دورا خارجيا.
تنصيب السيسي سيحول التحالف الثلاثي؛ الأردني السعودي الإماراتي، إلى رباعي. وسيكون لمصر دور قيادي فيه. فالدول الثلاث كانت تنتظر نتيجة الانتخابات لتدشين الصيغة الجديدة.
عربيا، التحدي الرئيس أمام التحالف الرباعي هو الوضع في سورية. مبدئيا، يبدو أن هناك تباينا في وجهات النظر حيال الموقف من نظام الأسد بين السعودية ومصر. السيسي تحدث عن سورية بلغة أقرب إلى الموقف الأردني منها إلى السعودي؛ إذ ركز على الإرهاب باعتباره أولوية في المواجهة الدائرة هناك، خلافا للتصور السعودي الذي يضع نصب عينيه إسقاط النظام.
من المهم جدا أن تبلور الدول الأربع موقفا موحدا من سورية، وأن تفتح خطوط الاتصال مع قطر؛ ففي غياب موقف دولي أو إقليمي فاعل، هناك حاجة لموقف عربي يملأ الفراغ الدبلوماسي القائم، ويفتح الباب لحل يجنب السوريين المزيد من الخسائر.
المؤكد أن كل هذه الاعتبارات كانت تدور في ذهن الملك وهو في الطريق إلى القاهرة لحضور حفل تنصيب رئيس تنقسم الأمة كلها حول شرعيته.
(الغد)