وفي ظل الذكرى السابعة والأربعين لمعركة حزيران التي خاضها الجيش الأردني على أرض فلسطين ، يقوم من الأجداث خطباء على منصة التاريخ ليذكروننا بأنهم حاربوا ببسالة ونُبل وعزم وإيمان بهذا الوطن الكبير ،وأنهم تركوا الدنيا بما فيها خلفهم واستشهدوا ليعطوا لهذا الجيل الحياة بكل عزة وكبرياء وفخر، حياة ملؤها الراحة والطمأنينة والعيش الرغيد ، إنهم أبطال جيشنا الباسل من مختلف أسلحته ، الذين أدوّا واجبهم كما يليق بالمقاتلين الفرسان الأشاوس دون التفات للنتائج أو كتبة التاريخ وكَذبة السياسة.
أبطالنا الشهداء والأحياء منهم لا زالوا هنا ، إنهم مستنسخون ببصماتهم وأرواحهم في دولتنا القوية ، وفي حدودنا المحمية ، وفي مدننا الممتدة ، وفي صروحنا العلمية والإقتصادية ، إنهم مستنسخون في أجساد رجالنا المتمددين عبر المناصب الرفيعة ، وشبابنا الذين توفرت لهم سبل الراحة في كل مايحلمون به من رفاهية عيش وإمكانيات تواصل ومواصلات ودراسة وسبل متعددة نحو غاياتهم ، ثم لم يكلف كل هؤلاء ولا أولائهم أن يتعرفوا على من أرخص روحه فداء ليبقى هذا الوطن حياً ، و ليبقى ناميا نحو مراتب العلا لينعم بالرفاه أجيال تبادلت القُبل ولم تُقبل يوما صورة من صان ثرى هذا الوطن عن أحذية الأعداء.
فراس العجلوني واحد من أشهر أبطالنا الذين حاموا كالصقور في سماء بلادنا ، صادف أول من أمس ذكرى استشهاده في معارك جيشنا العتيق مع العدو في حزيران عام 1967 ، لقد دمرت طائرات العدو آنذاك طائرته التي كادت أن تتحول الى فرس أصيل ذات أجنحة تعانق السماء و تنفث أبخرة أنفاسها من مناخرها لا تألم لمهماز فارسها المغوار، مطواعة له لتعبر أجواء بلادنا نحو بلادنا غرب النهر ، فيدك العجلوني العنجري ورفاقه الصقور الجارحة بحق مطار اللد وحيفا ويخترق كأول طيار عربي يسجل ضربة موجعة للعمق الإسرائيلي على أرضه التي أحاطها بقبة من الطيران والمدفعية والمضادات ، ففي الوقت الذي دمر سلاح الجو الإسرائيلي أسرابا من طائراتنا وطائرات جيوش الأشقاء على مطاراتها ، دمر فراس العجلوني طائرات رابضة في مطار حيفا و اللد.
رغم شح موارده وإمكانياته إستطاع الجيش الأردني الباسل بجنوده وضباطه أن يسطروا سفرا خالدا في الصراع مع العدو ، لقد حملت لائحة الخلود أسماء الرجال الذين عرفوا أن الحياة بلا كرامة هي خزي وندامة ، فاستبسلوا في القتال والدفاع عن الأرض والمقدسات والعائلات وكرامة البلاد ، ولكنها الحرب قد تخسرها ولكن لا يمكن أن تنهزم الى الأبد ، فكم من جيوش عظمى عبر التاريخ خسرت حربها ، ولكنها لم تخسر قيمتها ، ولم تطغ هزيمتها الآلية على روحها القتالية المعنوية ، وما جيوش أوروبا الكبرى منا ببعيد.
لن يفي مقال على عجل حق أولئك البواسل الأبطال من جيوشنا العربية التي هبت للقتال بإخلاص ، ولا لأولئك المواطنين الذين كانوا جيشا شعبيا على أرض فلسطين قاوموا بقدر ما يستطيعون ، ولكنها إشارة بسيطة في زمن النسيان والإنكفاء عن مشاعر الوطنية الذي بات يهدد شعوبنا العربية المنشغلة بتصفية بعضها فيما أعداؤها يزدادون قوة وتقدما ، ونحن نغرق كل يوم أكثر وأكثر في بحر النسيان ، فلا يعرف شبابنا تاريخ رجالهم الذين صنعوا لنا حاضرا نحياه لنتابع مباريات كرة القدم وبرامج البحث عن المغنين والمسلسلات الهابطة.
في ذكرى فراس العجلوني علينا أن نجدد الوعي لدى شبابنا بذلك الرعيل الذي مضى الى عليائه ، وأن نحثهم لقراءة سيرة النضال والإقدام لجيشنا العربي الأردني والآباء الأبطال كقدوة في الإنضباط والتضحية ، وأن نعلمهم أن معركة الحياة دائمة وهي ليست بالضرورة في زمن الحرب العسكرية ، بل بالإنتماء للوطن ، وللتعاون من أجل مصلحة العائلة والحي والمدينة والمحافظة والوطن ، وأن معركتنا ضد الإنحطاط الأخلاقي ، وضد الفساد والإفساد واللامباة والأمراض الإجتماعية والنميمة ،والبعد عن الله و الدين السمح والوسطية ، والتطرف والمغالاة ونمو نوازع الكراهية هي أخطر معركة قد يخوضها الإنسان ، فأسوأ من أن تهزم في معركة مع العدو هو أن تتسلل كراهية الوطن والمواطن الى نفسك ، حينها ستكون أشد خطرا من العدو .
(الرأي)