كان أحدهم يبحث ليلا ونهارا عن فرصة «عمل»، وضاقت به الدنيا ولم يجد.. وباتت اموره المعيشية تزداد سوءا وترديا لانه لا يجد لقمة يومه.. وفي لحظة من اليأس رن هاتفه واذ باتصال من احدى الدوائر الامنية يطلب منه مراجعتهم فورا .. صديقنا العزيز هرع مسرعا للمراجعة، وتم ادخاله لمقابلة احد الضباط.. بكل احترام استقبله واستفسر منه عن بعض الامور الاعتيادية.. ومن ثم عرض عليه ان يعمل معهم لما فيه مصلحة الوطن !!
فرح صديقنا بعرض الضابط فرحا شديدا ولم يصدق نفسه بأن الدولة تعرض عليه ان يعمل معها بعد ان ضاقت به كل شركات ودوائر ومصانع الدولة.. فقال للضابط: الله يطوّل بعمرك.. ويديمك ذخرا لهذا الوطن.. قديش «الراتب» ومتى الدوام سيدي ؟!! .. استشاط الضابط غضبا من رد صديقنا وقال له: «إوعك بعد اليوم أشوف وجهك» !!
لا ندري ان كان صديقنا يعلم ما يقصده الضابط فرد ساخرا ، ولا ندري ان كان توقيت استدعائه ملائما، فكان الرد بما يتناسب مع الوجع.. ولكن الاهم ان الضابط طلع «ابن حلال» ولم يصفق صديقنا «خماسي» يمحي به من ذاكرة صديقنا الاوهام والاحلام.. فكل الشكر والتقدير والعرفان « للحلم» الذي تحلى به هذا الضابط.. وسامح الله صديقنا العزيز على مزحته «الثقيلة» لأنه يعلم في سره: هو في وظائف هالأيام !!
بكل ما فينا من وجع وقهر والالام، بات حقيقة يستعصي علينا فهم الامور مثلما استعصى الفهم على صديقنا..
كيف لم يبق شيء الا ورفعناه ؟!!.. ولم يبق رقم مديونية او عجز الا وقد فز وارتفع.. كيف لم تبق استراتيجية زراعية الا ووضعناها وعقدنا مؤتمرا بشأنها ؟!!.. وأبناء الاغوار يرمون محصول البندورة في الشوارع وينصبون خيمة عزاء لما حل بالقطاع من مأساة.. كيف نتحدث ليلا ونهارا عن الجدية في مكافحة الفساد ؟!!.. والكردي له أكثر من عامين غارق في «العسل»، ونحن لا نملك ثمن «البصل».. كيف منذ تاريخ نشأة الدولة والمنح تختفي بلمح البصر؟!!.. وعند المنحة الخليجية المخصصة فقط للمشروعات التنموية بتنا عاجزين عن الصرف فتحولت المنحة الى «محنة» ؟!!
كيف زرعوا فينا نبراسا: الصحافة سقفها السماء.. وحسب قانون الارهاب اذا أسيء فهمك ستلاقي حتما رب السماء !!
كيف نتحدث عن ترشيد النفقات.. وسيارات المسؤولين تطوف البلاد طولا وعرضا حارقة مئات اللترات !!
كيف كنا نحلم بأردن أخضر عام 2000.. فأصبح الاردن أصفر عام 2014 !!
كيف كانت الخصخصة سبيلا للتخلص من المديونية.. فعادوا وقاموا بشراء ما تمت خصخصته لنزيد مجددا ارقام المديونيـة!!
خذوني على قد عقلي مثل ما أخذ الضابط صديقنا على قد عقله:
كيف تعرض عليّ سيلا من القرارات.. والحكومة تعيش في رغد وزهد وكأنها اكتشفت النفط او حصّلت من جيوب الفاسدين المليارات..
كيف حققت لوطني إنجازا.. وبلدي قد يصبح جوعا وفقرا «صومالا» !!
(العرب اليوم)