تزامن لا يخلو من دراماتيكية بين ذكرى الخامس من حزيران لهذا العام وما يجري سياسياً في العالم العربي، فلأول مرة ينصرف الإعلام عن المأتم الرسمي إلى رصد أحداث منها ما هو فارق وحاسم.
ليس فقط على صعيد الانتخابات الرئاسية بل على عدة مستويات منها التهيؤ للدخول إلى حقبة سياسية لا يزال الحديث عنها في طور التبشير، وما يترتب على هذه المتغيرات يتعذر على أذكى الحواسيب السياسية رصده لأن المشهد لا يزال مضطرباً ويحتمل عدة مقاربات وقراءات بينها من التباين والتباعد ما لا يرجح واحدة على أخرى.
وربما كان حزيران بأيامه الستة الطوال الندبة الأعمق في الذاكرة القومية بحيث أصبح العرب يؤرخون لحياتهم السياسية والعسكرية بما قبله وما بعده ولتلك السداسية كما سماها الراحل اميل حبيبي ما يذكرنا بنجمة داوود، وأحياناً بالستة عميان الذين سقطوا على الفيل فوصف كل واحد منهم العضو الذي لامسه من جسده.
ولكن لدينا من القرائن ما يكفي لتقع متغيرات شبه جذرية في واقعنا بمختلف أبعاده، فلن تكون الليلة شبيهة بالبارحة حتى لو استمرت مراوغة الثعالب وحيل ضحاياها.
فما انفجر من كبت مزمن يشبه النهر الذي لا يعود إلى منبعه، والرصاصات التي أطلقت حتى في الهواء لن تعود إلى الفوهات أو الأفواه التي أطلقتها، فالسؤال الخجول الذي تأجل لعقود تحول إلى مساءلة بصوت جهوري، وأصبح العربي بحاجة إلى من يجيبه عن ثلاثة أسئلة على الأقل هي على التوالي.
كيف تحول الفائض لديه إلى نقصان ومديونيات سواء تعلق بالثروة أو الديمغرافيا أو المواقع الاستراتيجية.
وكيف صودرت ثوراته وأصاب العطب بوصلاتها واختطفت أو تم امتطاؤها إلى شاطئ آخر غير آمن على الإطلاق.
وكيف سخرت تكنولوجيا فائقة للتجهيل والتضليل، بحيث أصبحت في خدمة الخرافة حيناً وفي خدمة الطائفة حينا؟
التغير حدث وما من سبيل للعودة عنه، لأنه اصطحب معه أدواته وأساليبه وشكوكه في كل ما مضى، لكن مجرد التغير لا يكفي! فقد يوظف سلبياً أو يتحول إلى خطوة للوراء أو قفزة إلى الأمام بحيث يسقط الراهن ولكن عن عمد هذه المرة وليس سهواً!
وانفعالات البشر سواء كانت غضباً أو فرحاً أو تمرداً ليست خاتمة المطاف، إنها مادة بشرية خام تصلح للشيء ونقيضه تماماً كما يصلح القماش الأبيض فستان زفاف أو كفناً أو راية استسلام!
وحين تطول المراحل الانتقالية تصبح أسباب التحول كلها في خطر، لأنها أشبه بالعدالة البطيئة التي تتحول إلى تواطؤ مع الظلم بمعزل عن النوايا!
لقد استبدل عرب العقد الثاني من هذا القرن بعض أعيادهم وتقاويم ثوراتهم فهل يستبدلون حُزيرانهم المزمن؟
(الدستور)