الوثائق التي فجرتها الصحافة البريطانية ضد قطر، ودفعها لأموال ورشى من أجل استضافة كأس العالم العام 2022تقول ماهو فوق السبق الصحفي؛ لأن الصحافة الغربية في حالات كثيرة يتم توظيفها لتسريب المعلومات، لغايات محددة، وان كانت المقارنة بطبيعة الحال بين الصحافة العربية والغربية تبقى جائرة؛ لأن «الغربية» أكثر مهنية ومصداقية.
منذ فترة طويلة والغرب يريد افشال كأس العالم في قطر، وقد بدأت الحملة قبل ملف الرشى عبر الكلام عن موعد المونديال صيفا، وسوء الاجواء في منطقة الخليج من حيث الحرارة والرطوبة، وبرغم كل كلام القطريين عن البيئة المناسبة، الا ان الحملة بقيت متواصلة عبر تحريض الفرق الاوروبية، وتذكيرها ان اداءها سينهار جراء طقس الدوحة.
في الظلال غضب بريطاني اساسا من عدم الفوز باستضافة المونديال، فوق الغضب الأميركي، ولانصدق -هنا- كل الكلام الناعم عن العلاقات الوثيقة بين الدول.
الكبار يريدون البقاء كبارا، ولايقبلون بدول صغيرة ثرية تدخل بأموالها فقط إلى خانة منافسة الكبار ابدا، فالمال لايصنع منك دولة عظمى.
المؤكد ان توقيت كشف الوثائق سيقود في المحصلة الى الغاء المونديال في قطر؛ لأن كل هذا لم يأت عبثا، ولم يأت دون تخطيط مسبق.
غير ان الثمن الاساس يتعلق بالدور الوظيفي للدول، وتمدد الدوحة سياسيا ودورها الذي بات مكلفا على صعيد اجماع مراكز القرار في العالم، وهو دور يراد تحجيمه على صعيد دعم الإسلام السياسي عبر القول، إن الدولة التي تدفع رشى مالية من اجل لعبة رياضية غير مؤهلة -ايضا- للكلام عن قيم العدالة والتغيير في العالم العربي عبر دعم الربيع في دول كثيرة.
ملف المونديال ملف سياسي امني، وهو يخضع لاقتسام النفوذ في العالم، والمال -هنا- ليس وسيلة النفوذ الوحيدة، فالدول الكبرى لاتسمح -ايضا- لأحد من نادي الدول الصغيرة بالتسلل والدخول الى نادي الدول الكبيرة، فما بالنا حين تصير القصة قصة عقاب سياسي على خلفية ادوار للدوحة لايراد لها ان تستمر بها؟!.
قيمة الرشى وقيمة الاموال التي تم انفاقها على التحقيقات تقول، إن العملية ليست سهلة، ثم غزارة المعلومات ودقتها التي تم نشرها في الصحافة البريطانية، تجعل القصة معقدة جدا، ومن الصعب نفيها، من جانب الدوحة الرسمية.
معايير الغرب تسمح بالاطاحة برئيس حكومة غربي اذا سافر في اجازة على متن قارب لرجل اعمال، او عند تدخينه السيجار على نفقة الخزينة، فكيف والحال دفع رشى بالملايين او تحقيق مصالح معينة في حالة المونديال من جانب الدوحة للاطراف التي قامت بالتصويت لصالح قطر.
ملايين الوثائق التي حصلت عليها الصحافة البريطانية، تقول، إنها وثائق امنية بالدرجة الاولى، فالصحافة في الغرب يتم تسريب المعلومات لها، ومستوى المعلومات وتفاصيلها الدقيقة يؤكد ان هناك ادارة امنية لهذا الملف، والهدف ايضا تلطيخ سمعة الدوحة في العالم اجمع، لان قصة المونديال تتم متابعتها من كل شعوب الارض.
علينا ان نقرأ التوقعات، فرئيس لجنة القيم في الفيفا سيصدر تقريره، والارجح ان التقرير سيكون ضد الدوحة، وعلى هذا نحن امام اعادة تصويت على المونديال في اغلب الحالات.
لايمكن للدول ان تواصل ذات ادوارها الوظيفية، برغم تغير المؤشرات، والدوحة حاضنة لاتجاه سياسي معين،والبوصلة العالمية انقلبت ضد هذا الاتجاه، والدوحة تواصل ذات الخط الداعم ولاتريد التراجع، ومن الطبيعي جدا ان يتم تفجير هذه القنبلة في وجهها، باعتبار ان الحرب قد بدأت، ولايعني هذا ان الوثائق او المعلومات المنشورة غير صحيحة، اذ ان عبقرية الغرب تتجلى هنا، بالاتكاء على حقائق، وليس على تزييف في ادارة الحروب ضد الاخرين.
ثم ان توقيت كشف المعلومات يرتبط بالمعسكر الجديد في العالم وتغير اولوياته، ولانصدق ان هذه المعلومات اساسا لم تكن متوافرة عند اجهزة امنية غربية سابقا، لكنها قامت بطي ملفاتها الى حين الحاجة لها، وهذا هو توقيت مناسب جدا لرفع الحظر عن المعلومات وتمريرها عبر شخصيات اعتبارية او محققين او وسائل اعلام.
كل هذه الخطوط تلتقي بطريقة أو باخرى، مع تحقيقات بريطانيا ضد الاخوان المسلمين، والموقف السلبي من تركيا عالميا، واعادة التموضع في كل معسكرات المنطقة،والرياضة لا تنفصل عن الأمن والسياسة، لا في الدول الكبرى،ولا في تلك الصغرى أيضا.
لايعني هذا -ابدا- ان قصة الرشاوى غير صحيحة، لكننا نتحدث فقط عن سر التوقيت، ودوافع النشر الاساس، وعلينا ان نعرف ان الصحافة البريطانية لاتفجر مثل هذه الملفات لولا ثقتها بما لديها من وثائق؛ لانها تعرف ان مقاضاتها امر سهل من دولة ثرية، وان القضاء البريطاني -ايضا- سيغرمها مبالغ جنونية لو تبين ان كل القصة مفبركة.
كل القصة تقول للدوحة، إن عليها إعادة التموضع، والعودة الى مساحتها الأساس.
(الدستور)